هذه المدونة

بعد أن هالني حجم الكذب وتعمد قلب الحقائق التي قام بها من هم وراء مسلسل الجماعة، وتوظيف المسلسل لتشويه التاريخ، ومحاولة التأثير على المشاهدين لتكوين صورة مشوهة عن الجماعة ومؤسسها بل عن الإسلام ذاته، حاولت أن أقدم فى هذه المدونة نقلا من مذكرات الإمام حسن البنا وبعض الكتب الأخرى، حقيقة الأحداث التى قدمت بهذا التشويه الفج، وهذا الكذب الذي لا علاقة له بالإبداع على الإطلاق

الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

ترشيح المرشد العام لمجلس النواب من كتاب أحداث صنعت التاريخ

ترشيح المرشد العام لمجلس النواب سنة 1942 :

ومن المسلم به أن أية دعوة ذات أهداف نبيلة وبرامج إصلاحية تريد تحقيق هذه الأهداف والبرامج ينبغي أن يكون من وسائلها إلي ذلك العمل علي الوصول بأعضائها إلي مقاعد المجالس التشريعية ، ولا يتأتي ذلك إلا بخوض المعارك الانتخابية ... ومن بدائه الأمور أنه كلما كان عدد النواب لهيئة من الهيئات أكثر كان تحقيق آمالها أيسر ؛ ولكن الإخوان كانوا يعتقدون أن حصولهم علي مقعد واحد في مجلس النواب كفيل بأن يؤثر في هذا المجلس أبلغ التأثير إذا كان صاحب هذا المقعد هو حسن البنا ؛ ذلك أن لديه من قوة الشخصية والقدرة علي الإقناع مع ما يتمتع به من روحانية فياضة وبلاغة آسرة ما يشد إليه الأسماع والعيون والعقول والقلوب ، وما يفعل في السامعين فعل السحر ... وقد استطاع بهذه المواهب النادرة أن يجمع حوله من الأنصار الذين يفتدون دعوته بأموالهم ودمائهم مئات الألوف في أنحاء مصر وغير مصر من الدول العربية والإسلامية .

لهذا اتخذ الإخوان قرارًا بترشيح المرشد العام عن دائرة الإسماعيلية في الانتخابات التي أعلنت حكومة الوفد إجراءها سنة 1942 ... وإذا كان أعظم المرشحين لم يكن لتقدمه للترشيح من صدي إلا في دائرته التي ينتمي إليها ، فإن تقدم حسن البنا للترشيح كان له صدي يتردد في جميع محافظات القطر ومراكزه وحواضره وقراه بل وقد تعدي ذلك الصدى إلي خارج مصر ؛ ذلك أن في كل مكان من هذه الأماكن رجالا ونساء يعقدون الآمال للعريضة علي هذا الترشيح . وينبغي أن يكون مفهومًا أن ترشيح حسن البنا في دائرة الإسماعيلية ليس له إلا معني واحد هو أنه من قبل أن تجري انتخابات قد صار عضوا بمجلس النواب مهما نافسه في الترشيح مائة مرشح منهم رئيس الحكومة نفسها ، ذلك أن أهالي هذه الدائرة وعن بكرة أبيهم رجالا ونساء وأطفالا يعتبرون ترشيح حسن البنا عندهم شرفًا لا يعادله شرف ، وأن انتخابهم إياه فريضة من فرائض الدين وقربة من أعظم القربات إلي الله عز وجل . وهذه الحقيقة التي يعرفها أهل الإسماعيلية ويعرفها الإخوان في كل مكان ؛ ويعرفها الانجليز أيضًا ،وإن كان يجهلها – حتى ذلك الوقت – فئات أخري منهم حكام مصر ورجال الأحزاب المصرية الذين لم يستطيعوا أن يفهموا عن الإخوان المسلمين أكثر من أنهم جماعة تدعو إلي الدين الذي لا يخرج في تصورهم عن كونه طقوسًا وعبادات ومحاربة للمنكرات بالوعظ والإرشاد ... بالرغم مما يبذله الإخوان من جهود لتوضيح فكرتهم عن الإسلام باعتباره دينًا ودولة ، وعقيدة وشريعة ، وبرنامجًا إصلاحيًا شاملا لجميع شئون الحياة .

تقدم الأستاذ المرشد يطلب الترشيح إلي وزارة الداخلية كالمعتاد ... فما الذي حدث ؟... بعد أيام قلائل جاء ه رسول من قبل مصطفي النحاس باشا رئيس الحكومة يدعوه لمقابلته .... وسأنقل هنا نص ما جاء في تقرير الأمن العام عن هذه المقابلة وعن هذا الموضوع عامة وقد نشره في جريدة الأهرام في 14-2-75 الدكتور عبد العظيم رمضان مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة طنطا ضمن وثائق نشرها ، قال التقرير :

" لم يكد يذاع خبر ترشيح الأستاذ حسن البنا ويدفع التأمين إلا واتصل به حضرة عبد الواحد الوكيل بك صهر حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا ، وتكلم معه في موقف الإخوان المسلمين ، وطلب منه الرجوع إلي رفعة النحاس باشا ، وتكلم معه في موقف الإخوان المسلمين ، وطلب منه الرجوع إلي رفعة النحاس باشا لكي يكون رفعته علي بينة من أمرهم لأن رفعته لديه فكرة غامضة عنهم . وبعد بضعة أيام تلقي دعوة بمقابلة رفعة النحاس باشا ، وتمت المقابلة بفندق مينا هاوس ، وقد طلب منه رفعة النحاس باشا أن يتناول عن الترشيح . وصارحه رفعته أنه يطلب ذلك إيثارًا للمصلحة العامة ولمصلحته (أي مصلحة الأستاذ البنا) إن كان يريد الإبقاء علي جماعات الإخوان المسلمين في مختلف البلدان ، فرفض ذلك وقال إنه يستعمل حقاً من حقوقه الدستورية ولا يري ما يمنعه من الترشيح ، وإن كان هناك موانع فإنه يطلب بيانها لكي يتبين مبلغها من الصحة ، وفضلا عن ذلك فإن قرار الترشيح صدر من هيئة المكتب العام لجماعة الإخوان ، وأنه شخصيًا لا يملك الرجوع في ذلك .

فرجاه رفعة النحاس باشا أن يعمل علي إقناع الأعضاء بالعدول عن ذلك ، وأن رفعته رأي أن يدعوه لينصح له بالتنازل وإلا اضطر إلي اتخاذ إجراءات أخري يراها رفعته قاسية ، ولا يرتاح إليها ضميره ، ولكنه حرصا منه علي مصلحة البلد مضطر إلي تنفيذها . ولما استوضحه تلك الإجراءات قال رفعته إنها حل جماعات الإخوان المسلمين وتلقي زعمائها خارج القطر ؛ وتلك هي رغبة هؤلاء الناس (يقصد الانجليز) الذين بيدهم الأمر يصرفونه كما يرون ، ونحن مضطرون إلي مجاملتهم خصوصًا في هذه المسائل الفرعية ، وفي هذه الظروف العصيبة ، لأنهم يقدرون علي كل شيء ، وفي استطاعتهم إن شاءوا أن يدمروا البلد في ساعتين .

وقد ترك رفعته فرصة للتفكير في الأمر ، وأن تتم مقابلة أخري في هذا الشأن ، وقد عرض الأمر علي هيئة مكتب الإرشاد فلم توافق الأغلبية علي التنازل ، ولكنه هو شخصيًا وافق عليه لا خوفاً من النفي ولكن حرصًا علي قيام الجماعة واستمرارها في تنفيذ أغراضها . وأخيرًا أستقر الرأي علي التنازل ، وتوجه مرة أخري لمقابلة رفعة الرئيس بوساطة سليم بك زكي الذي بسط لرفعته دعوة الإخوان ومدي انتشارها في المدن والأقاليم ، فانتهز هذه الفرصة وطلب من رفعته ضمانات بقيام الجمعية وفروعها . وعدم الوقوف في سبيلها وعدم مراقبتها والتضييق علي أعضائها للحد من نشاطهم فوعده رفعته بما طلب " .

وقد أوردت ما جاء بتقرير الأمن العام عن هذه المقابلات لأنه هو فعلا نص ما حدثنا به الأستاذ المرشد عقب رجوعه من كل من المقابلتين ، فقد كنا في ذلك الوقت في المركز العام ننتظر رجوعه علي أحر من الجمر لأن موضوع الترشيح كان أمرًا جوهريًا بالنسبة لنا ولجميع الإخوان في أنحاء البلاد ، ولهذا فإنه رأي بعد أن قص علينا ما حدث أن ننتقل إلي الإسكندرية وطنطا وغيرها من العواصم ليقصه عليهم حتى يكون الجميع علي صورة واضحة من الموضوع . وموقف الأستاذ المرشد في هذا الموضوع كان أحد المواقف القليلة التي جاء رأيه النهائي فيها صدمة لمشاعر الإخوان وعواطفهم ، فما من أحد من أنحاء البلاد إلا وشعر بهذه الصدمة التي تمثلت لنا في صورة فرصة أفلتت منا بإرادتنا ولو أننا تمسكنا بها لأفادت الدعوة منها أعظم فائدة . ولم يسلم الإخوان للأستاذ المرشد بما طلبه إليهم ، ولم ينزلوا علي رأيه إلا للثقة التي لا حدود لها فيه ، وللاطمئنان الكامل إلي إخلاصه ومقدرته وبعد نظره وحسن تدبيره للأمور .

وتقريرًا للواقع أقول إن هذا الموقف الذي وقفه الأستاذ في هذا الموضوع – وإن كان قد جرعنا في أوله بعض المرارة – إلا أنه عاد علي الدعوة بما لا حصر له من الفوائد ، وحسب القارئ أن يعلم من قوة الإخوان المسلمين في ظل هذا الموقف وفي خلال أربع سنوات بعده قد تضاعفت أضعافًا كثيرة كما وكيفاً حتى صارت أقوى هيئة شعبية في مصر وفي البلاد العربية علي الإطلاق . ومع أن حزب الوفد الحاكم في ذلك الوقت كان حريصًا علي أن يخرج من تجربته هذه مع الإخوان بكسب معنوي لحسابه ، فإن الإخوان قد خرجوا منها بمكاسب لدعوتهم لا يقاس بأدناها كسب الوفد – إن كان قد كسب شيئًا – فضلا عما أشرنا إليه آنفاً من انفتاح كل الطرق أمام الإخوان لبث دعوتهم في كل مكان دون عوائق ؛ فإن هناك مزايا أخري ما كانت لتنجز وتتخذ سبيلها إلي واقع الحياة في مصر لولا هذين اللقاءين الذين تما بين الأستاذ المرشد والنحاس باشا وعلي رأس هذه المزايا .

1 – إحياء الأعياد الإسلامية لاسيما مولد النبي صلي الله عليه وسلم وجعله عيدًا رسميًا للدولة وقد أصدر رئيس الحكومة حديثًا رسميًا مستفيضًا تحية لهذه الذكري الكريمة .

2 – إلغاء البغاء في أنحاء البلاد وكان وصمة عار في جبينها .

3 – قانون بوجوب استعمال اللغة العربية في تعامل جميع الشركات والمؤسسات ومراسلاتها .

4 – تحريم الخمر – وإن كان التحريم قد اقتصر علي المناسبات الدينية .

5 – بذل جهد مشكور في وضع أساس إنشاء الجامعة العربية .

وقد كان الأستاذ المرشد قد أخبرنا فيما أخبرنا به عما دار بينه وبين النحاس باشا في هذين اللقاءين أنه كان حريصًا أن يلقي في روع النحاس باشا أن أتناوله عن الترشيح لابد أن يقابله ما يسد هذه الفجوة بعمل إسلامي تقوم به الحكومة يثلج صدر الشعب الذي كان يؤمل الكثير من العمل الإسلامي من وراء دخولي مجلس النواب ، وقال له إن العمل الإسلامي الذي تقوم به الحكومة يقربها إلي نفوس الشعب ويرفع اسم زعامة الوفد .. وقد تعهد النحاس باشا بالنهوض بهذه المطالب . وقد وفي الرجل بتعهده ، وقد ألقي عقب هذين اللقاءين حديثاً ضمنه هذه المعاني التي اتفق عليها . وعقب صدور هذا الحديث عن النحاس باشا تقابل عبد الواحد الوكيل باشا مرة أخري مع الأستاذ المرشد واقترح عليه أن يصدر بيانًا يسجل فيه أن التنازل قد تم احترامًا لقرار الوفد بترشيح شخص آخر ويعلن فيه تأييده لسياسة الوفد في التعاون مع بريطانيا لتنفيذ معاهدة التحالف – فرفض الأستاذ المرشد ذلك واكتفي بذكر فقرات في خطاب النحاس باشا معلنًا أن الإخوان عون له في سياسة الإصلاح الديني والاجتماعي .. ونثبت هنا نص الخطاب الذي وجهه الأستاذ المرشد إلي النحاس باشا كما نشر بجريدة المصري يوم 23 مارس سنة 1942 تحت عنوان : الإخوان المسلمون يستجيبون لنداء الزعيم – ويعلنون أنهم عون للحكومة في تحقيق برنامجها الإصلاحي .

كتاب قيم من المرشد العام للرئيس الجليل :

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا رئيس الحكومة المصرية .

أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، وأصلي وأسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وأحييكم فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد ....

فقد تحدثتم رفعتكم إلي الأمة المصرية حديثاً رائعًا جميلا ، ضمنتموه كثيرًا من المبادئ القويمة والأماني الطيبة التي يسر كل مصري وأن يحققها الله علي أيديكم ... فقد أشدتم بالصراحة والتعاون والإخلاص ، ودعوتم الأمة إلي مصارحتكم والتقدم إليكم بالنصح ووددتم أن تمتلئ صدورنا جميعًا بهذه المعاني السامية (فنحن أبناء أسرة واحدة وهي الأسرة المصرية الكريمة) .

وقررتم رفعتكم أنه من دواعي سروركم أن تتعاون الأمة والحكومة في هذه الظروف الدقيقة في تنفيذ سياسة خارجية حكيمة ،وتصميم سياسة داخلية بصيرة ... فالواجب يقتضينا والمصلحة تدعونا إلي أن ننفذ بإخلاص وحسن نية أحكام المعاهدة التي وقعناها بمحض اختيارنا وملء حريتنا وقصدنا من ورائها سلامة استقلالنا القومي والاحتياط لمثل هذه الظروف العصيبة .. كما أن الحكومة ساهرة علي أتباع سياسة عمرانية عاجلة لخير الطبقات الفقيرة قبل غيرها .. ومن واجب الحكومة والبرلمان أن يضعا في رأس برنامجهما درس المسائل الاجتماعية والسعي إلي حلها حلا سريعا حاسمًا . وقد أشرتم إلي التطور الجديد في حياة العالم كله تطورًا " هو مقدمة لتطور أعمق غورًَا وأبعد أثرًا يجعل مظهر العالم في غير مظهرة اليوم ؛ " .

ثم ختم هذا الحديث " بأن علينا أن نعبر الطريق المحفوف بالمخاطر ، المحوط بالمكاره ، متعاونين متحدين مع الشعوب الشرقية وإخواننا أبناء العروبة الكريمة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا ، مترقبين بزوغ فجر الحرية والإخاء بين الشعوب ؛ فيقوم عدل الحكام علي أنقاض الظلم والاستبداد ، وتتفيأ أمم ظلال الطمأنينة والسكينة والسلام "

أصغينا إلي هذا الحديث القيم ثم طالعتنا الصحف بنصائحكم الجليلة إلي حضرات المديرين والمحافظين ، ودعوتكم إياهم إلي " أن يكونوا نواة سلام ودعاة صلح وتفاهم بين العائلات ، وأن يديموا التجوال في البلاد ليتبينوا مطالب الأهلين ، وينظروا فيها بالغين المجردة عن كل ميل وهوي ،وأن يستمعوا إلي شكاوى المظلومين ويعملوا علي رفع المظالم عنهم " . وقرأنا في الصحف أن معالي وزير الصحة أخذ يدرس باهتمام مشكلة البغاء تمهيدًا لتخليص مصر من وصمته الشائنة ،وأنه قرر فعلا البدء بإلغاء دور البغاء في القرى والبنادر من أول مايو المقبل . والإخوان المسلمون أمام هذه الآمال الصالحة ، والأعمال الطيبة النافعة ، يرون من واجبهم أن يستجيبوا لندائكم وأن يعلنوا أنهم حريصون كل الحرص علي أن يكونوا عونًا لكم وللحكومة المصرية في تحقيق برنامجكم الإصلاحي الذي أعلنتموه ، مستمسكين دائمًا بآداب الإسلام العالية وتعاليمه القويمة وأخلاقه الفاضلة .

والله نسأل أن يهيئنا جميعًا لخير هذا الوطن العزيز والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

وبعد عام من هذا التاريخ ، ومع التكوين الجديد للوزارة بعد خروج مكرم عبيد باشا منها لخلافة النحاس باشا رغب أعضاء الوزارة في زيارة المركز العام للإخوان ، فوجه الإخوان إليهم الدعوة ، وننقل وصف هذه الزيارة وما تم فيها كما نشرته جريدة المصري يوم 17 مايو سنة 1943 بعنوان ... الإخوان يضيفون وزراء الشعب .

" أقام المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين حفلة كبرى بداره بالحلمية الجديدة في الساعة السابعة من مساء أمس دعا إليها أصحاب المعالي الوزراء فلبي الدعوة فؤاد سراج الدين وزير الزراعة . و . . . . و . . . . و . . . . . . وكان في استقبالهم فضيلة المرشد العام الأستاذ حسن البنا والأستاذ أحمد السكري وكيل الجماعة وبقية الإخوان وفرقة الجوالة الخاصة بهم ، وكان الإخوان يستقبلون كل وزير عند حضوره بالهتاف والتكبير " الله أكبر ولله الحمد " .

وعلي آثر وصول الوزراء حان وقت صلاة المغرب فأذن المؤذن وأم المصلين فضيلة المرشد العام ولما كانت المصلي لا تتسع لجميع الذين حضروا فقد أدي العديدون الصلاة في الحجرات وفي حديقة الدار وخارجها وقد فرشت بالبسط والحصير – وتصادف أن حضر في هذه الأثناء وزير التموين الأستاذ أحمد حمزة فأدي الصلاة مع المصلين خارج الدار ، فكان منظرًا إسلاميًا ديمقراطيًا رائعًا رؤية أصحاب المعالي الوزراء وهم بين الإخوان يؤدون صلاة المغرب في خشوع المؤمنين الصالحين ...

وبعد الصلاة جلس أصحاب المعالي الوزراء مع الإخوان فوق سطح الدار حول موائد الشاي والحلوى والمرطبات .. وافتتحت الحفلة بتلاوة آي الذكر الحكيم ثم ألقي الأستاذ أحمد السكري كلمة ترحيب وتلاه الأستاذ حسن البنا بكلمة أوضح فيها فكر دعوتهم وأهدافهم . وألقي بعد ذلك كل من أصحاب المعالي الوزراء الزراعة والتموين والشئون والتجارة كلمات مناسبة أشاروا فيها إلي مشروعات حكومة الوفد وعلي رأسها النحاس باشا وهي المشروعات التي تحقق الأغراض الإسلامية مثل إلغاء البغاء . وإحياء الأعياد الإسلامية وتحريم الخمر والموبقات وقانون استعمال اللغة العربية وغير ذلك من مفاخر حكومة الوفد . ثم وقف الأستاذ أحمد السكري فشكر الوزراء علي ما أبدوه في كلماتهم من استعداد طيب نحو تشجيع جماعة الإخوان المسلمين ورجالهم أن يبلغوا رفعة الرئيس تحيات الإخوان وأطيب تمنياتهم وأن يقدموا له باقة من كتاب الله وهي الآية الكريمة " ولينصرن الله من ينصره إن اله لقوي عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر . ولله عاقبة الأمور .

وانتهي الاحتفال في الساعة العاشرة مساء " .

وقبل أن نصل في معالجة هذا الموضوع إلي نهايته ، لا يفوتنا أن نومئ إلي غمزات وردت في تعليق الكاتب الذي أشرنا إليه آنفًا فيما نشره بجريدة الأهرام في 14-2-1975 حيث شكك سيادته في صدور العبارات التي وضعنا تحتها خطوطًا مما نقلناه من تقرير الأمن العام عن النحاس باشا ، وملخصها أن الانجليز هم الذين طلبوا من النحاس باشا إرغام حسن البنا علي التنازل . وحسبنا في الرد علي هذا المؤرخ الذي يستقي معلوماته من وثائق إدارة الأمن العام ، أن يطلب من هذه الإدارة وثيقة عما تم في ترشيح الأستاذ حسن البنا نفسه في نفس الدائرة في سنة 1944 في أيام وزارة أحمد ماهر ، فإذا لم يعثروا علي هذه الوثيقة ، فليذهب إلي الإسماعيلية ويسأل عشرات الآلاف من أهلها الذين حضروا هذه الانتخابات ولا يزالون علي قيد الحياة ليسمع منهم كيف تدخل الانجليز بأنفسهم وبجيش احتلالهم المرابط في الإسماعيلية لإسقاط حسن البنا مما سنفصله في الصفحات القادمة إن شاء الله .

وسيادة المؤرخ كان مدرسًا بجامعة طنطا حين أرخ لهذا الموضوع سنة 1975 ، وهذا المنصب يكون صاحبه عادة في سن تناهز الأربعين ، ومعني ذلك أنه في أثناء هذه الفترة التي يؤرخ لها كان في مهد الطفولة . ولكنه حين يؤرخ لهذه الفترة يؤرخ لفترة شهدها جيل لازال يعيش معه فكان عليه وهو مدرس للتاريخ المعاصر ويؤرخ لتاريخ معاصر أن يرجع إلي من عاصروا هذه الأحداث في مواقعها ، وهم لا يزالون علي قيد الحياة بدلا من أن يقتصر في تاريخه علي الوثائق التي لا يكتفي بها عادة إلا في تاريخ لأحداث طال عليها الأمد ولم يعد علي قيد الحياة من يرجع إليه فيها . علي أننا سوف نتناول تعليق هذا المؤرخ بمناقشة موضوعية في الفصل القادم إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق