هذه المدونة

بعد أن هالني حجم الكذب وتعمد قلب الحقائق التي قام بها من هم وراء مسلسل الجماعة، وتوظيف المسلسل لتشويه التاريخ، ومحاولة التأثير على المشاهدين لتكوين صورة مشوهة عن الجماعة ومؤسسها بل عن الإسلام ذاته، حاولت أن أقدم فى هذه المدونة نقلا من مذكرات الإمام حسن البنا وبعض الكتب الأخرى، حقيقة الأحداث التى قدمت بهذا التشويه الفج، وهذا الكذب الذي لا علاقة له بالإبداع على الإطلاق

الأربعاء، 25 أغسطس 2010

عودة حسن البنا من الحج

صور السيناريست عودة حسن البنا من الحج مثل موالد العامة وعمل زفة كبيرة !! والهتافات على جانبي الطريق!!! ثم صور حفل الاستقبال للمرشد فى دار الإخوان كله مديح وإطراء، بل وعندما اعترض أحد المارة على هذه الهيصة !! نهره أحد الإخوان بفظاظة؟!!
وطبعا عند الرجوع للمراجع التى ذكرها السيناريست، تتعرف على مدى الإنحطاط والبجاحة منقطعة النظير، حيث كان الاحتفال منصب على الاستفادة من الحج ووضع اسس جديدة للدعوة وبدأ الحفل فقط بنشيد ترحيب بعد تلاوة القرآن
إقرأ بنفسك ماذا كتب الأستاذ محمود عبد الحليم فى كتابه أحداث صنعت التاريخ عن موضوع الحج


الحج :

قدمت أن الأستاذ المرشد قد كاشفنا بأن فكرة الهجرة بالدعوة إلى بلد آخر من البلاد الإسلامية يكون أقرب إلى الإسلام من مصر قد سيطرة على تفكيره وملأت نفسه، ولكنه لم يقدم على هذه الخطوة حتى يحدد أي هذه البلاد الإسلامية أشد قربا من الإسلام ، وخير وسيلة لتحديد هذا البلد هو الحج ، فإن الحج يجمع جميع الطبقات من جميع بلاد العالم الإسلامي .. فإذا اختلطنا بهذه الطبقات من جميع هذه البلاد استطعنا أن نقيم كل بلد من البلاد الإسلامية تقيما صحيحا . وقد صحب الأستاذ المرشد فى هذا الحج مائة من الإخوان من مختلف البلاد المصرية وقد وحد زيهم جميعا فكل منهم يرتدى جلبابا أبيض وطاقية بيضاء .

وسافر وفد الحجيج وقلوبنا ترفرف عليهم حيث كانوا وأديت فريضة الحج بالوقوف بعرفة وبعد أيام قلائل جاءنا البريد بطرد كبير فتحناه فإذا هو مجموعة من العدد الأخير من جريدة (( أم القرى )) وهى الجريدة الوحيدة التي تصدر فى السعودية فى ذلك الوقت وكانت جريدة شبه رسمية ، فتعجبنا من وصول هذه الجريدة إلينا لأول مرة فقد كانت تصلنا من بلاد إسلامية أخرى مجلات وصحف ولكن هذه الجريدة لم تصلنا إلا هذه المرة ولكنها إذ تصل تصلنا منها هذه الكمية الضخمة ، وتصفحنا الجريدة وكانت قليلة الصفحات فوجدنا يشغل مكان الصدارة فيما خطاب للأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين ألقاه فى مؤتمر عظماء المسلمين فى الحج ، وقد لاحظنا أن الخطاب على طوله - فهو يشغل أكثر صفحات الجريدة - ليس إلا مجموعات من آيات القرآن الكريم لا يفصل كل مجموعة منها عن الأخرى إلا سطر أو سطران من كلام الأستاذ المرشد

الرجوع من الحج بمفاجآت ومفاهيم جديدة :

كنا نعول الكثير على رجوع الأستاذ المرشد من الحج ، فإن مستقبلنا ومستقبل الدعوة كان متوقفا على نتائج هذه الرحلة ، وقد أعددنا لاستقباله كل ما نستطيع إعداده ، وعلى سبيل المثال كلفنا الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي بوضع نشيد نستقبله به فأنشأ نشيدا جميلا لا يحضرني الآن إلا مطلعه الذى يقول :

مرحبا يوم قدوم المرشد

عمت الأفراح أرجاء الندى

وقدمنا اليوم كما نهتدي

وكنا نتمرن جميعا على إنشاده معا ، كما أننا حشدنا أكبر عدد من الإخوان بالقاهرة وغيرها حتى امتلأ فناء الدار لأول مرة مع أضواء ساطعة فى أنحائه . وقد حضر الأستاذ المرشد إلى دار المركز العام قبل أن يذهب إلى منزله فلم يره أهله وأبناؤه إلا بعد انتهاء الحفل .

وبدأ الحفل بتلاوة القرآن الكريم ثم ألقينا النشيد ثم تكلم الأستاذ عمر التلمساني المحامى - وكانت هذه أول مره أراه فيها - وأذكر أنه افتتح كلمته بقوله : يسير على من صناعته الكلام أن يقول ويترجم عن مشاعره ولكنى أراني عاجزا عن القول .....)) ثم ألقى الشيخ محمد زكى إبراهيم قصيده رائعة كانت تقاطع أكثر أبياتها بالهتاف والتكبير - ولم تكن الكلمات التي تلقى سواء منها الشعر والنثر إلا كلمات هادفة عظيمة المدلول - ولازال يطن فى أذني من هذه القصيدة استعيد أكثر من مرة لروعته يقول فيه :

وصلاح الدين فى عمته :: هد دنيا قبعات علنا

وناهيك بما تضمنه هذا البيت من معان تهدم دعاوى كانت رائجة فى ذلك الوقت ، وكان يدعو لها حتى رؤساء الوزارات فى مصر ورؤساء الأحزاب ، فقد صرح رئيس حزب الوفد - مصطفى النحاس - وكان رئيسا للوزراء بأنه معجب بحركة أتاتورك بدون تحفظ - وتتلخص حركة أتاتورك هذه فى أنه قضى على الدين الإسلامي ، ولبس القبعة وأمر الأتراك بلبسها ، حتى اللغة التركية أمر بكتابتها بالحروف اللاتينية بعد أن كانت تكتب بالحروف العربية ، مدعيا أن هذه الحركة ستجعل من تركيا دولة عظيمة .

ثم قام الأستاذ المرشد ليلقى كلمته التي كنا نزن كل حرف منها بميزان ، وأستطع أن أقرر أن هذه الكلمة كانت من أهم وأعظم ما صدر عن الأستاذ المرشد لأنها وضعت أسسا جديدة للدعوة وغيرت كثيرا من المفاهيم ، وأوضحت السبيل وحددته ، ويمكن تلخيص ما اشتملت عليه هذه الكلمة فى نقاط ثلاث :

أولا :ذكر الأستاذ المرشد أن همه كله كان منصبا على الالتقاء بوفود المسلمين من مختلف الطبقات من كل بلد إسلامي فى العالم ، والتحدث معهم ، ودراسة أحوالهم، ومناقشة مشاكلهم ، والتعرف على مستواهم الحضاري والثقافي والديني ، ومعرفة مدى تسلط المستعمر على بلادهم ، ومستوى فهمهم للإسلام وعلاقته بالحياة . قال : وقد اتصلت بالمحكومين والحكام فى كل بلد من البلاد الإسلامية وخرجت من ذلك باقتناع تام بأن فكرة الهجرة بالدعوة أصبحت غير ذات موضوع وأن العدول عنها أمر واجب ، فمصر على ما فيها من عيوب هي أحسن بيئة للدعوة الإسلامية.

ثانيا : أن دراسة أحوال المسلمين فى البلاد الإسلامية فى أنحاء العالم ضاعفت العبء الملقى على عواتقنا فقد كنا نعتقد أن هذه البلاد ستكون عونا لنا على لإصلاح مصر ، فتبين لنا أنها هي فى ذاتها عبء يقتضى منا بذل أضعاف ما نبذله فى مصر لمجرد بعث الحياة فيها ، فالبون شاسع بين مستوى هذه البلاد ومستوى مصر سواء فى الدنيا أوفى الدين .

ثالثا : أن فكرة ترجمة القرآن فكرة ساذجة وخاطئة بل وجريمة قد لا تعدلها جريمة ترتكب فى حق الإسلام ، وساق فى إثبات ذلك مثلا واقعيا فقال : لعلكم تعجبتم حين وصلكم نحو مائة نسخة من جريدة أم القرى وفى صدرها كلمة لي .... إن لهذا الموضوع قصة هي غاية الأهمية ، وتجربة فى الدعوة الإسلامية لم تكن تخطر ببالي ولا ببال أحد ، تجربة فسرت آيات فى كتاب الله لم نكن نفهمها على وجهها الصحيح ، وقال إنني سافرت إلى الحج ولم أكن إلى فكرة ترجمة القرآن بنفس الخطورة التي أصبحت الآن أنظر إليها .

قال : اعتاد الملك عبد العزيز آل سعود أن يدعو كل عام كبار المسلمين الذين يفدون لأداء فريضة الحج إلى مؤتمر بمكة المكرمة تكريما لهم وليتدارسوا أحوال المسلمين فى العالم ، وكان فى وفود الحجاج من كل بلد إسلامي فى العالم وزراء وأمراء وزعماء سواء فى ذلك البلاد العربية وغير العربية فكان من مصر مثلا الدكتور محمد حسين هيكل ومن سورية ولبنان والعراق واليمن وإمارات الخليج وشمال أفريقية حكام وزعماء وكان من بلاد أفريقية الوسطى والجنوبية ومن جميع البلاد الإسلامية فى أسيا ومن جاليات المسلمين فى أمريكا الجنوبية وأوربا ؛ كل هؤلاء وجهت إليهم الحكومة السعودية دعوات لحضور هذا المؤتمر ؛ وطبعا لم توجه إلينا دعوة باعتبارنا من عامة الحجاج .

قال : علمت بموعد هذا المؤتمر وبمكانه الذى سينعقد فيه ، فأعددت نفسي والإخوان المائة فى هيئة موحدة هي الجلباب الأبيض والطاقية البيضاء ... وفى الموعد المحدد فوجئ عليه القوم المجتمعون بمائة رجل فى هذه الهيئة يخطون خطوة واحدة يتوسط الصف الأول منهم رجل هو المرشد العام ... فكان هذا حدثا منيرا للالتفات ... ودخل هؤلاء فاتخذوا أماكنهم فى نهاية الجالسين ؛ وبدأ المؤتمر بكلمة ترحيب من مندوب الملك .

ثم قام مندوب من كل بلد إسلامي فتكلم بلغه بلاده ؛ فألقيت عشرات الخطب بعشرات اللغات ومنها العربية التي ألقى بها الدكتور هيكل وأمثاله ممثلو الدول العربية ... يقول الأستاذ المرشد : وقد لاحظت أن الحاضرين يبدو على وجوههم السأم وغلب على أكثرهم اللوم ... وقد ناقشت هذه الظاهرة مع نفسي وأدرتها فى خاطري فوجدت أن السأم والنوم أمر تمليه الطبيعة البشرية فمادام السامع لا يفهم ما يقال - وهو لا يستطيع أن يغادر المؤتمر - فمن حقه أن يسأم وأن يستسلم للنوم قال فصبرت حتى انقضت الساعات الطوال التي استغرقها المندوبون فى إلقاء خطاباتهم واستغرقها الحاضرين أن يتقدم بملاحظاته إن كان له ملاحظات ... قال الأستاذ : فطلبت الكلمة واعتليت المنصة وارتجلت كلمة كانت أطول كلمة ألقيت ، وكانت الكلمة الوحيدة التي أيقظت الحاضرين ، وفوطعت بالإعجاب ، واهتزت لها المشاعر ، وبعثت فى المؤتمر جوا من الحيوية الدافقة وما كدت أنهى كلمتي حتى أقبلت على جميع الوفود تعانقني ، وتشد على يدي ، وتعاهدني وتطلب التعرف على وعلى من معي ، وتفتح قلوبها للفكرة التي تضمنها كلمتي .

يقول الأستاذ المرشد : لقد أحسست وأنا جالس فى المؤتمر بأن المستعمر أفلح فى القضاء على أسباب التفاهم بين البلاد الإسلامية بعضها وبعض بالقضاء على اللغة العربية فيها وإحلال لغة غيرها محلها ؛ فاندونيسيا تتكلم بلغة اندونيسية والهند بلغة هندية والصين بلغة صينية ونيجيريا بلغة نيجيرية وغانا وغينيا وهكذا ... وفكرت فأسعفني خاطري بأن الشئ الوحيد الذى لا يزال باقيا بلغته العربية ويقرأه الجميع بألفاظه العربية لأن العبادة لا تكون إلا بألفاظ التي أنزل بها هو القرآن . فالكل على اختلاف بلاده ولغاته ولهجاته يفهمه : فعزمت على أن تكون كلمتي كلها آيات من القرآن أرتبها ترتيبا يوضح كل ما فى نفسي من معاني الإسلام وأهدافه ووسائله ، وكيف يعالج النفس البشرية ويضع حلولا للمشاكل الحيوية ، ولاحظت من أول آية بدأت بها كلمتي أنني ضربت على الوتر الحساس فى قلب كل جالس فى المؤتمر ، وأحسست أن كل كلمة من آية أتلوها تقع من قلوب الحاضرين موقعها ، وتفعل فى نفوسهم فعلها ؛ حتى ذاب الثلج الذى جمد المشاعر طيلة الساعات السابقة ، وبدأ الدف حتى غلت مراجل القلوب والتهبت المشاعر وكان لابد فى نهاية الكلمة من تجمع هذه القلوب والتفافها .

ويمكن تلخيص نتائج هذه الكلمة وأثارها فى الآتي :-

1- أثبتت بما لا يتطرق إليه شك أن وجود القرآن باللغة العربية هو الرباط الأبدي الوحيد بين المنتمين إلى الإسلام حيثما كانوا ومهما اختلفت ألسنتهم وثقافتهم ، وأنه فى صورته هذه التي نزل بها من السماء هو بمثابة الروح فى جسد هذه الأمة الإسلامية ، وأنه هو كلمة السر التي متى سمعها المسلم أنس بقائلها ، وأحس أن بجانبه أخا يحبه ويفتديه مهما اختلفا بعد ذلك فى كل شئ .

2- تبين تبينا قاطعا أن فكرة ترجمة القرآن ، إما أن تكون فكرة قوم من المسلمين بلغوا من السذاجة حدا يؤسف له ، وإما أن تكون وليدة تفكير استعماري تبشيري خطير للقضاء على آخر رباط يربط الجسد الممزق ، أو هو قطع الشريان الوحيد الباقي فى هذا الجسد ، ولذا كان على المسلمين أن يقفوا لهذه الفكرة المدمرة بالمرصاد .. وتبين كما قال الأستاذ المرشد أن قول الله تعالى عن كتابه العزيز : (( إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )) معناه أن هذا القرآن لا يكون قرآنا إلا إذا كان عربيا وما كنا نعقل حقا ولا كان أحد يدور بخلده قبل هذا المؤتمر أن عروبة اللغة هي جزء من القرآن لا يتجزأ وأن العروبة اللغوية الأزمة له هي السر الخفي الذى تتحطم على صخرته مؤامرات الأعداء ومكائد الحاقدين على هذا الدين ... وعلى حد قول الأستاذ فى كلمته التي ألقاها فى تلك الليلة فى دار المركز العام إذ قال : إن كان لابد من ترجمة فلتترجم الأمم إلى القرآن ، لا أن القرآن تترجم إلى الأمم .

3- أحس الحاضرين لأول مرة بحرارة التيار الإسلامي يسرى فى مشاعرهم ، ورأوا لأول مرة أن العالم الإسلامي قد تمخض عن داعية من نوع جديد لم يألفوا له مثيلا من قبل ؛ فهو قادر على إثارة المعاني الإسلامية فى النفوس ، وقادر على جذب القلوب بالجاذبية الإلهية التي هي القرآن ، وقادر على جمع المتنافر منها تحت راية الإسلام ، وقادر على بث روح الأخوة التي تصهر النفوس فى بوتقة الإسلام ، فهرع الجميع يلتفون حول هذا الداعية الجديد ، ومن هنا سارعت (( أم القرى )) إلى نشر الخطاب بنصه فشغل معظم صفحاتها ، ولم تنشر إلى غيره . وبدأ أل سعود يتعرفون على الداعية الجديد .

4- بقدر ما كان لهذه الظاهرة الإسلامية الرائعة من أثر طيب فى نفوس جميع الوفود فيبدو أنها لم تقع من نفس الموقع ، فقد شعر هذا الوفد بالمهانة حين رأى جميع الوفود انفضت عنه ولم نعره اهتماما وهم الوزراء وكبار الساسة وأصحاب البلاد وسادة العباد ، والتفوا حول هذا الرجل النكرة الذى لم يسمعوا عنه ولم يعرفوا اسمه إلا فى هذا المؤتمر ... وسوف نتحدث فى باب قادم إن شاء الله عن أحداث وقعت فى مصر نتيجة هذا الشعور الأثيم .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق