ولا يعيب أي جماعة وجود مثل هذه الخلافات مهما زادت حتى لو وصلت إلى درجة الإنشقاق والإنفصال مادامت المجموعة الرئيسية لا تنشغل عن هدفها الرئيسي بمثل هذه الأحداث
ولنا المثل الواضح فى غزوة أحد عندما انشق عبد الله بن أبي بن سلول عن جيش المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع بثلث الجيش!!
ولقد أبدع السيناريست فعلا عندما تحدث فى الحلقة الثالثة عشرة عن الفتنة الأولى فى تاريخ الأخوان!! أبدع فى خلط الأوراق وقلب الحقائق وإختلاق الأحداث التى لم تحدث وذكر نصف الحقيقة على طريقة "لا تقربوا الصلاة"
فصور الأمر على أنه ثورة عدد كبير من الأعضاء على تدليس ومراوغة وسرقات حسن البنا!! وعلى سيطرته على الجمعية العمومية (!!) وعلى مجلس الإدارة "الإمعات"(!!) فى جو من الصياح والحدة، ثم ذكر أنهم سيقدمون شكوى للنيابة ثم قفز إلى النقل إلى القاهرة على أنه هروب من الإسماعيلية "لأنه أصبح غير مرغوب فيه" !!!! وأنهى الموضوع باختلاق أول حادثة عنف فى تاريخ الجماعة حيث حشد حسن البنا مجموعة من الإخوان للإعتداء على الوفد الذي جاء من الإسماعيلية لمواجهته أمام مدرسته بالقاهرة!!!
وقبل أن أنقل لكم النص الكامل لتفاصيل الذي حدث، أقدم لكم الملخص الذي يمكن لأي طفل يستطيع القراءة - عندما يقرأ أصل هذا الموضوع - أن يجد الحقائق التالية:
- الذي قام بهذا الاعتراض على تعيين الشيخ على الجداوي لم يكن من مؤسسي الجماعة ولكنه كان أحد الذين تم تعيينهم فى معهد حراء
- مجموع من قاموا بهذه الفتنة أربعة أشخاص وقد جمعهم حسن البنا فى بيته لمناقشتهم في ماذا يريدون ونفذ كل ما طلبوا (إعادة عرض الموضوع على الجمعية العمومية وإجراء انتخاب جديد لنائب المرشد)
- أجريت الانتخابات وكانت الأصوات الرافضة أربعة أصوات!!! فى مقابل أكثر من خمسمائة صوت أيدت القرار السابق لمجلس الإدارة
- بعد ذلك بدأت الفتنة الثانية عن ديون الجماعة ووضعها المالي وعالجها حسن البنا بأن جمع الدائنين وكتب على نفسه كمبيالات شخصية لهم ودعا الأخوان جميعا - ومنهم طبعا الأخوة الأربعة أصحاب الفتنة - وأعلمهم بهذا القرار
- قام أمين الصندوق (وهو أحد الأخوة الأربعة) بالاعتذار عن مهمته وسلم الخزينة الخاوية لإخوانه وهو يقول "خربانة بإذن الله" وكان رد فعل الإخوان أن قاموا بمساعدة أهل الخير بتسديد جميع الديون بل وعمرت الخزانه بفضل الله
- قام أحد الأخوة الأربعة (أمين الصندوق السابق) بتقديم بلاغ للنيابة، وأدعوكم لقراءة الحوار الرائع بين وكيل النيابة ومقدم البلاغ والذي انتهى بأن نصحه وكيل النيابة: يا فلان أنت شاب يظهر أنك مخلص ولكنك مخطئ خطأ كبيرا ونصيحتي لك أن تعود إلى جماعتك وتعمل معهم إن شئت وتدع هذه الأفكار، وإذا لم يعجبك حالهم فاقعد في بيتك وانصرف لعملك ودع الناس يعملون وهذا أفضل لك إن أردت النصيحة.
- سلك هؤلاء الأربعة بعد ذلك مسلك العرائض المجهولة التى تحذر من الأعمال السرية (!!) التى يقوم بها الإخوان، ثم تطور الأمر إلى النشرات التي تشكك فى الأموال وإنفاقها (!!) وغياب الشورى داخل الجماعة (!!) وطبعوها ووزعوها على معظم الأماكن التى يوجد بها شعب الإخوان، ورد الأخوان بإصدار "كلمة الحق" وكانت النتيجة سؤال الناس عن الإخوان وزادت نسبة إنضمام الناس للإخوان؟؟!!! (هل تُذكرك هذه الحكاية بشئ ؟؟!!)
- رغم كل ذلك ورغم معارضة الإخوان ذهب حسن البنا إلى كبيرهم فى منزله منفردا ليعرض عليه العودة والمسامحة !! وإصلاح ذات البين، ولم يلق استجابة
- الوفود التى جاءت لمدرسة عباس الأول بالقاهرة كانت لطلب عودة حسن البنا إلى الإسماعيلية وذهبت أيضا إلى وزير المعارف لإلغاء النقل
- ولا توجد على الإطلاق واقعة الضرب التى أقحمها السيناريست أمام المدرسة فى القاهرة !! فكيف سيكون الاعتداء على وفد ضخم جاء أصلا للمطالبة بعودة حسن البنا للإسماعيلية؟؟!!
- حادثة الضرب الوحيدة الموجودة بالمذكرات كانت فى الإسماعيلية فى غير وجود حسن البنا عندما قرأ بعض الشباب المتحمس بعض الشتائم والسباب الذي كتبه أحد الأخوة الأربعه فأوسعوه ضربا لتأديبه (وهذا خطأ بالطبع من هؤلاء الشباب).
- ويوجد فى النص العديد من التفاصيل التى توضح الحقيقة كاملة وتوضح مدى خطورة الجريمة التي يرتكبها هذا السيناريست فى حق التاريخ
وإلى نص المذكرات:
الجاه والمال
وكيف يتقاضى الشيخ مكافأة على إمامة المسجد قدرها ثلاثة جنيهات، والجمعية مدينة، وقد بقي عليها من نفقات المسجد والمدرسة والمنشآت أكثر من ثلاثمائة وخمسين جنيهاً، مع أن فضيلة الشيخ مستعد لأن يقوم هو بهذه الإمامة متطوعاً على عمله بالمعهد، أو بمكافأة يسيرة لا تتجاوز خمسين قرشاً في الشهر وهكذا بمثل هذا القول المعسول الذي ظاهره فيه الرحمة، وباطنه من قبله العذاب، والذي لا يقصد من ورائه إلا فتح ثغرة في القرار السابق تكون سبيلا لنقضه، وما يريد الشيخ أن تسند إلا إليه، وما هذا الأخ الطيب القلب إلا مطية لأغراضه وغاياته وأصغى الأخ إلى وسوسة الشيخ، وامتلأت بها نفسه وإن لإبليس لأصدقاء ومعاونين لعلهم أنفذ منه قولاً، وأشد حولاً، وأبعد طولاً، وأقرب إلى النفوس. نعوذ بالله من كل وسواس خناس من الجنة والناس، وأفضى بهذا القول إلى بعض أصدقائه من الإخوان، فمنهم من نصح له، ومنهم من أشفق عليه وتأثر بقوله. وفشا في الإخوان هذا القول، وشعرت به، فعلمت من أين هبت الريح، وأحضرت هذا الأخ، ونصحت له، ولكنه كان قد امتلأ إلى نهاية تفكيره، واستغرقته فكرة أولويته، وزين له الشيطان أن في ذلك مصلحة الدعوة، وأنه يتشدد لا لنفسه ولكن للمصلحة العامة، وهذا هو المنفذ الذي ينفذ منه الشيطان دائماً إلى نفوس المؤمنين ليفسد عليهم صدق إيمانهم وطهر قلوبهم، وتشيع لهذا الأخ ثلاثة من أصدقائه كان العامل الأول في تشيعهم له صداقته لهم، ثم انضم إلى ذلك وسوسة الشيخ لهم ونفورهم الطبيعي من الشيخ علي، وحسدهم إياه على ما وصل إليه، وشعار ذلك كله مصلحة الدعوة والحرص عليها.
فأردت أن أقضي على لا الفتنة من أساسها، ولا أدع لهم عذرا، إذ كنت حريصاً عليهم حسن الظن بهم، مقدراً لسابقتهم في الدعوة، وخدمتهم إياها، وتضحيتهم في سبيلها، معتقدا أن الحصول على أمثال هؤلاء الجنود الذين نهلوا من مناهل الدعوة، وشبوا في أحضانها عسير عزيز يتطلب مجهوداً آخر، وكفاحاً آخر، وتربية تستنفذ وقتاً، وتتطلب عناءً. وبعد ذلك كله فهناك الوفاء للاخوة والحب للإخوان والعطف عليهم وما أجلى هذه المعاني وأوضحها في وصف الله تبارك وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام” عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم”.
ومن واجب أصحاب الدعوات أن يتحروا هذه الأخلاق النبوية، وأن يكون لهم. في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فيعز عليهم ما يصيب المؤمنين من عنت، ويحرصون على أخوتهم، وسلامة نفوسهم أشد الحرص، ويكونون بهم ذوي رأفة ورحمة. لهذه الحيثيات جميعاً لم أرد أن أؤاخذهم بقسوة، أو أعاجلهم بعقوبة، أو أباعد بينهم وبين إخوانهم بإقصاء، أو فصل، ولكني آثرت التي هي أفضل وأجمل، فجمعتهم عندي، وسألتهم ماذا تريدون؟ فقالوا: نريد ألا تسند مهمة النيابة عنك إلى هذا الأخ، فقلت.: جميل أنتم تريدون هذا، ولكن إخوانكم قد أرادوا غيره، واختاروه، وأسندوا إليه هذه المهمة، فإذا نفذت إرادتكم خالفت إرادة إخوانكم، فقالوا: لا، إنهم لم يكونوا جميعاً حاضرين، ولو حضروا جميعاً لكان لهم رأي آخر، وكانت الدعوة مفاجئة، ولم يكن المقصود منها معلوماً، فقلت: وهل إذا جددنا الدعوة للجميع، وأعلنا الغرض منها، وتركنا لكل إنسان الحرية الكاملة في أن يقول رأيه تنزلون عند رأي الجماعة؟ قالوا: نعم. قلت: جميل لم نخسر شيئا؟ إذن فلنعاهد الله على هذا، وعاهدنا الله، واتفقنا على الموعد، ووجهنا الدعوة موضحاً بها الغرض من الاجتماع، والواقع أن هذا المظهر كان جديداً وغريباً على أوضاع الإخوان التي لم تعرف إلا الوحدة الكاملة، والاندماج التام، فرأي أحدهم هو رأي جميعهم، يتمثل فيهم قول نبيهم عليه الصلاة والسلام: “ ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد”. وقوله عليه الصلاة والسلام: “ المسلمون عدول بعضهم على بعض يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم”. ولكن أخذت به إيثاراً للحسنى وسداً للذريعة، واجتمعنا وكنت أعلم من نفوسهم فوق ما أعلنوا، فأوعزت إلى الأخ الشيخ علي أنه إذا ظهرت نتيجة الانتخابات في جانبه أن يعلن تنازله عن مرتبه، وأنه سيعمل في المسجد متطوعاً. وقد كان: اجتمع الإخوان، وظهرت نتيجة الانتخابات، فإذا هي إجماع رائع عدا أصوات هؤلاء فقط على اختيار أخيهم الشيخ علي، وإذا به يفاجئهم بهذا الإعلان في تأثر عميق نال من نفوسهم جميعاً، وأخذوا يستغربون لموقفه هذا، وموقف هذا العدد منه، أربعة يأبون إلا أن يفرضوا أنفسهم على أكثر من خمسمائة، فإذا لم ينفذ رأيهم كان الخمسمائة مخطئين، لأن الأربعة يأبون إلا أن يكونوا في نظر أنفسهم مصيبين، وهذا من أغرب الأوضاع في الجماعات، ولقد كان الإسلام حكيماً أعظم الحكمة في وصيته بأخذ مثل هؤلاء الخوارج على رأي الجماعة بمنتهى الحزم” من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يشق عصاكم فاضربوه بالسيف كائناً من كان”. ولكنا تأثرنا إلى حد كبير بالنظم المائعة التي يسترونها بألفاظ الديمقراطية والحرية الشخصية، وما كانت الديمقراطية، ولا الحرية يوما من الأيام معناهما تفكيك الوحدة والعبث بحرية الآخرين.
كان موقف الإخوان رائعاً فقد تكاثروا علي بعد هذه الجلسة يقدمون إلي من أموالهم ما يصح أن يكون رأس مال لأخيهم الذي ترك عمله وأبى إلا أن يعمل متطوعاً، ولكني طمأنتهم عليه وأخبرتهم بأننا لن ندع الأمر، بل سنترك له دكاناً من دكاكين المسجد يفتحه ليتاجر أو يصنع ويكون في الوقت نفسه بجوار المسجد والدار ودعوت لهم بخير وحسبت أن الأمر سيقف عند هذا الحد.
وأردت أن أعالج الأمر على طريقتي فدعوت أصحاب الدين وكانوا ثلاثة أو أربعة من التجار وعرضت عليهم أن توحد هذه الديون باسم واحد منهم فقبلوا. فعرضت على هذا الواحد أن يقبل مني تقسيط دينه على فترة طويلة بحيث أدفع له كل شهر ثمانية جنيهات فقبل. وكتبت له كمبيالات شخصية على نفسي بكل مبلغه على هذه الطريقة وأخذت منه مخالصة بأنه ليس له عند الجمعية شيء أبداً وضممتها إلى مخالصات غيره من التجار بحيث لم تبق الجماعة مدينة لأحد بمليم. ودعوت الإخوان جميعاً ومنهم هؤلاء الأربعة المخالفون وعرضت عليهم الأمر فسقط في أيديهم وأرادوا أن يتعللوا بالمعاذير وقالوا ولم تحمل نفسك هذا العناء؟
وهل من المروءة أن ندعك تتحمله؟ وهل هذا جزاؤك على عمل الخير؟. ولنفرض أنه عرض لك ما يمنع السداد فيكف يكون الحال؟ فقلت: أما نفسي فدعوها وشأنها وأما العجز عن السداد فقد وضعت الأقساط على طريقة تمكنني من انسداد إن شاء الله وقد قبل التاجر وجزاه الله خيراً، وما أنا في هذا كله إلا واحد من المسلمين عليه أن يبذل في سبيل دينه وأمته فلا تحملوا همي ولكن حسبنا ألا يقال إننا عاجزون عن السداد أو أن فينا فتنة، وحسبنا أن تظل هذه الوحدة التي توثقت بروح الله على الحق والإيمان. فلم يسعهم أن يفعلوا شيئاً أو يقولوا شيئاً وكل الذي استطاعوا عمله أن أحدهم وقد كان أمينا للخزينة رغب أن يسلم الخزينة لغيره فقبلنا منه وأسندنا الأمر لسواه. ولا أزال أذكره وقد أخرج الدرج وقلبه ظهرا لبطن وبطناً لظهر وسلمه لأخيه مع المفتاح وهو يقول له تفضل “خربانة بإذن الله” فقلت له في تأثر عميق: لا يا أخي لكن” عمرانه بفضل الله” وانصرفوا، ولقد عمرت خزينة الإخوان بعد ذلك ما شاء الله لها أن تعمر وامتلأت بالخير فعلاً من فضل الله وجزى الله كرام الإسماعيلية خيراً، فإنهم ما كادوا يسمعون نبأ هذا الذي حدث ويصل إليهم أنني كتبت على نفسي خمساً وأربعين كمبيالة حتى وجه إليهم الوجيه المحترم الشيخ محمد حسين الزملوط رحمه الهي الدعوة للاجتماع في منزله فاجتمعوا وتقاسموا المبلغ فيما بينهم.
وتبرعوا بأكثر من أربعمائة جنيه سددت منها هذه الكمبيالات جميعاً، وما بقي ضم إلى خزينة الجماعة وتوالت التبرعات من الإخوان فكانت رصيدا لا بأس به “ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يعلمون”.
وعلم الشيخ عسكريه رحمه الله بالأمر فحضر من شبراخيت وحاول التوسط ليرد هؤلاء الذين ركبوا رؤوسهم إلى صف الجماعة ولكنهم أبوا إلا العناد وكان الشيخ رحمه الله نافذ البصيرة في مثل هذه الأمور فعاد يقول لي: هؤلاء لا خير فيهم فقد فقدوا إدراكهم لسمو الدعوة، وفقدوا إيمانهم لطاعة القيادة ومن فقد هذين فلا خير فيه في صفنا، فاحتسبهم وامض في طريقك والله المستعان. وجاهرهم برأيه وعاد إلى شبراخيت وفكرت في أن أدعو مجلس الإدارة لتقرير فصلهم من الجماعة ولكنهم بادروا فأرسلوا باستقالتهم وقبلها المجلس وقضي الأمر وعلى نفسها جنت براقش.
وعز عليهم أن يروا أنفسهم بعيداً فلا يستطيعون كيداً. فأخذوا يطلقون الإشاعات ويرسلون بالعرائض المجهولة إلى الجهات المختصة من وزارة المعارف إلى البوليس إلى النيابة، ثم عمدوا إلى الذين يظنون أنهم دعائم في هذه الدعوة من أهل البلد يلقون إليهم بالأكاذيب ليصرفوهم عن الجماعة وقصدوا أول ما قصدوا إلى الشيخ محمد حسين الزملوط وألقوا إليه بفرية فقالوا: إن الإخوان قوم خطرون وعندهم من الأعمال السرية ما لو كشفته لفررت منهم ونجوت بنفسك ونحن سنبلغ عنهم الجهات المختصة ولكنا أردنا قبل ذلك أن نبلغك لتأخذ الحيطة لنفسك أولا وتستقيل منهم وتعلن استقالتك وبعدك عنهم، ومتى اطمأننا على ذلك بلغنا فلا يصيبك شيء فقال لهم: وهل أنتم واثقون مما تقولون؟ فقالوا نعم كل الثقة وقد اشتركنا فعلاً في هذه النواحي السرية، فقال الرجل وكان حصيفا عاقلاً فيه إيمان ودين وفيه صراحة وقوة أنتم الآن عندي أحد رجلين إما خائنون إذا كان الكلام صحيحاً،وإما كاذبون إذا كان باطلاً، فكيف تريدون مني أن أصدقكم وأحترمكم وأنتم خونة أو كذابون قوموا من عندي ولا أراكم بعد ذلك. ولست أنسى تلك اللحظة التي جاءني فيها متغير الوجه عليه آثار الغضب والتأثر واستأذن من ناظر المدرسة وأخذني من الفصل وخرجنا نسير بظاهر البلد وحدنا ثم كاشفني بما سمع وقال: يا فلان عد إلى البلد الآن سريعاً ورتب نفسك إذا كان ما يقوله هؤلاء الناس صحيحاً واجتهد ألا يظهر شيء من أعمالكم هذه إذا كانت لكم أعمال وإذا ظهر شيء أو سئلت في شيء فقل إنني لا صلة لي بهذه الجماعة أبداً ورئيسها هو محمد حسين، فأنت شاب لك مستقبل وأنت موظف تستطيع الحكومة أن تضايقك وأنت ضيف عندنا وقمت بهذه الدعوة لوجه الله فلا تستحق إلا كل جميل. لقد تأثرت أشد التأثر بشهامة هذا المؤمن رحمه الله، وقلت له يا سيدي اطمئن كل الإطمئنان فنحن نعمل في وضح النهار ولو كان هؤلاء الجماعة صادقين فيما يقولون لأبلغوا من زمن مضى فالخلاف بينهم وبين الجماعة ليس جديداً. وكل ما في الأمر أنهم رأوك تساعد الجماعة بجاهك ومالك وأنت رجل خير طيب محترم فأرادوا أن يحرموا الجماعة صلتك بها ويظهروها للناس بهذا المظهر المخيف وإنى لشاكر لك أعظم الشكر هذا الاستعداد الكريم وجزاك الله عن الإيمان والوفاء خيراً.
ولست أنسى كذلك قول الرجل بعد ذلك: والله يا أخي لقد سمعت عمي الشيخ عيد يقول كثيراً إنني أسأل الله ألا أموت حتى أرى عزة الإسلام وانتصار أممه وعلو أحكامه وها هو قد مات ولم ير عزة الإسلام وأنا لا أمنية لي في الحياة إلا أن أرى عزة الإسلام وأسأل الله ألا أموت حتى أرى هذه العزة، ولكنني أشعر بأن ذلك بعيد لأن قطرة الدم لا زالت غالية على المسلمين، وما دامت قطرة الدم غالية فإنهم لن يصلوا إلى شيء لأن ثمن العزة والحرية قطرة الدم فقط. القرآن يقول هذا وسيرة النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه كلها تدل على ذلك أليس كذلك؟ فقلت له: بلى.. إن ذلك حق ولا شك ولكن أطمئنك فإن الإيمان الصحيح يرخص الدماء او يغليها في الواقع لأن جزاءها عند الله العظيم، وقد أخذ الإيمان يتمكن من قلوب طائفة من عباد الله سيكون على يدها الخير والإنقاذ إن شاء الله، وسترى من هؤلاء الإخوان الناشئين كل خير والله يطيل أجلك حتى ترى عزة الإسلام فقال: ولكنهم قليل قليل جداً فقلت سيكثرون والخير في هذا القليل و” كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين” فقال بشرك الله بالخير نرجو ونسأل الله.
ولقد حدثني بعد ذلك أن وكيل النيابة سأله في عرائض قدمت له بهذا الخصوص فنصح له بإهمال كل هذه العرائض المجهولة التي لو كانت حقاً لما أخفي أصحابها أسماءهم ولواجهوا الحقيقة بأنفسهم. رحم الله الشيخ محمد حسين زملوط وجزاه خيراً.
وتأثر الرجل بهذا الحديث فوعدني بأنه سيحول دون نشر هذا التقرير، وأنه سيسحب أصوله من المطبعة. وانصرفت من عنده على هذا الوعد.
“ألا أدلكم على أفضل من درجات الصلاة والصوم والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين”“فأصلحوا بينهما صلحا والصلح خير” وصدق الله ورسوله. أقول كل هذا للناس ولا أتأثر به، لا يصح أن يكون هذا أبداً ولا بد إذن من تطهير القلب وصفاء النفس، ومكافحة النفس، ومكافحة الغضب وسلطان الانتصار للنفس، ولا بد من أن أجرب ذلك عملياً في نفسي وإن كنت لم أجن ذنباً ولم أبدأ بعدوان ولكن لا بد من هذه التجربة. وتناولت القلم وكتبت إلى كبير الجماعة خطاباً أقول فيه: إنني على استعداد تام لتناسي الماضي كله وإعادتهم إلى صفوف الإخوان إن أرادوا، فإن قبلوا ذلك على قاعدة التسامح فشكر الله لهم وقد سامحت فليسامحوا، وإن أرادوا أن يكون هذا التصافي على قاعدة التحاقق فإني لذلك مستعد وأفوض لهم اختيار الحكام فليختاروا من شاءوا ولنتحاكم إليه فرداً أو جماعة وأنا من الآن قابل لحكمه كائناً من كان وذكرت لهم السبب في ذلك وهو تأثري بدرس ألقيته وخشيت بعده أن أكون من الذين قال الله فيهم” لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”. ولكن هذا الخطاب رغم هذه العاطفة القوية التي كانت تتدفق في كل سطر من سطوره لم يؤثر بشيء بل إنني أبيت إلا أن أحمله إلى كبيرهم بنفسي في منزله وأسلمه إياه بيدي وقد ثار الإخوان لذلك ثورة عنيفة وحاولوا منعي بكل وسيلة ولكنني أصررت على رأي وأصررت على أن أذهب بهذا الخطاب منفرداً مما كان موضع دهشة الإخوان وغرابتهم ولكني كنت في الحقيقة أستشعر لذة كبرى في هذا الضعف الذي كنت أعتبره وأتصوره - ولا زلت - منتهي القوة لأنه موصول بأوامر الله.
ولكني بعد هذا فوجئت بإعلان من المحكمة أن الشيخ يطلب مكافأته عن المدة التي قضاها بالإخوان، وهي لا تعدو مبلغاً ضئيلاً زهيداً أبى إلا أن يقتضيه عن طريق المحكمة مع أن بيدي من المستندات ما يدينه بأضعاف ما يطلب، وأبيت إلا أن أحضر إلى المحكمة بنفسي، وتقدم بدعواه فأقررت بها ولكني تقدمت إلى القاض بما بين يدي من أسانيد فاعتبرها وحكم برفض الدعوى وإلزامه بالمصروفات. ولم يطل بقاء المدرسة التي أعلن عنها فقد ماتت في مهدها، ولم يطل بقاؤه كذلك في الإسماعيلية فقد رحل عنها. وإني لأعتذر إليه فهو الآن من خيرة العلماء وأفضل الأصدقاء، وتلك أيام خلت وذكريات مضت ولعل له عذراً ونحن نلوم والله أعلم بالسرائر.
حارة نافع رقم 24
انتقلت إلى القاهرة واجتمع مجلس إدارة الإخوان بالإسماعيلية وقرر اعتبار القاهرة” المركز العام للإخوان المسلمين”، وبما أنه لم يكن للجماعة في هذا الوقت مكان مناسب خاص بها فقد قرر إخوان القاهرة اعتبار المنزل الذي أسكنه وكان الدور الأول فيه خالياً مقراً لها: حارة نافع رقم 24 المتفرعة من حارة عبد الله بك إحدى حواري شارع السروجية.
رد الفعل بالإسماعيلية
وكان الانتقال مفاجأة للإسماعيلية، فحضر من أهلها وفد ضخم وقابل وزير المعارف وكان إذ ذاك حلمي باشا عيسى، وطلب إليه إلغاء النقل، وزار هذا الوفد كذلك مدرسة عباس وقابل ناظرها. (حسنين بك رأفت رحمه الله ) وتحدث إليه في ألا يتمسك بوجودي في القاهرة، وما كدت أعلم بذلك حتى رجوتهم العدول عن فكرتهم. وأبرقت إلى وزارة المعارف برغبتي في البقاء بالقاهرة، وبأن هذا النقل إنما كان بناء على طلبي ولمصلحتي.
ولكن مخبري الجرائد سمعوا الوزير حين وعد وفد الإسماعيلية بإلغاء النقل. فصدرت جرائد الصباح ومنها هذا الخبر، وتصادف أن سافرت إلى الإسماعيلية لإحضار أسرتي فظن الأهلون أن الخبر صحيح، وأخذت جموعهم تتوافد على دار الإخوان مهنئة بالعودة وأنا ابتسم لذلك وأخبرهم بالحقيقة.
وحدث أن ناظر مدرسة عباس أطلع الوفد الإسماعيلي على خطاب ورد إليه بتوقيع الأخ الخارج على الدعوة وفيه تجريح وشتم، فتألموا لذلك ونقلوا الخبر إلى البلد. وما كدت أفارقها حتى تربص له بعض المتحمسين من الأهلين وهو في طريقه وأشبعوه ضرباً بالعصي والأيدي حتى عجز عن السير والقيام. وتقدم هو متهماً بعض الإخوان، وأبى إلا أن يتهمني معهم كمحرض على ضربه مستدلاً بوجودي بالبلد حينذاك وتحددت جلسة تبعتها جلسات، وكانت قضية أباحت لي فرصة زيارة الإسماعيلية مرات ثم انتهت بالبراءة في الابتداء والإسئناف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق