هذه المدونة

بعد أن هالني حجم الكذب وتعمد قلب الحقائق التي قام بها من هم وراء مسلسل الجماعة، وتوظيف المسلسل لتشويه التاريخ، ومحاولة التأثير على المشاهدين لتكوين صورة مشوهة عن الجماعة ومؤسسها بل عن الإسلام ذاته، حاولت أن أقدم فى هذه المدونة نقلا من مذكرات الإمام حسن البنا وبعض الكتب الأخرى، حقيقة الأحداث التى قدمت بهذا التشويه الفج، وهذا الكذب الذي لا علاقة له بالإبداع على الإطلاق

الجمعة، 8 أكتوبر 2010

مشاهد محذوفة من مسلسل الجماعة 1

لم يحذف القائمين على المسلسل مشهد اغتيال حسن البنا فقط، ولكنهم حذفوا عمدا الكثير من المشاهد التي تحمل حقيقة الإخوان وتحكي واقعا كان لابد من إخفاؤه وتغطيته كجزء أساسي من التشويه والكذب.
وسأبدا ببعض المشاهد التى تحكي دور فرق الجوالة الحقيقي فى المجتمع المصري، وذلك فى المجال الصحي فقط كمثال:

قامت جوالة الإخوان بدورٍ بارعٍ في كل أنحاء القطر المصري بنشر الوعي الصحي، وعلى القيام بأعمال إسعافية لتعويد الناس على الاهتمام بالجانب الصحي، ومن ذلك ما قامت به فرق الجوالة في الريف المصري عام 1943م؛ حيث قامت بأعمال كنس الطرقات والشوارع وحثِّ القرويين على التردُّد على المستشفيات والعيادات الطبية، وتقديم الإسعافات الأولية
وعندما ظهر مرض الملاريا بقنا وأسوان انتفض الإخوان لهذه الكارثة الصحية، وقاموا بجمع التبرعات والاعتناء بالمصابين ومواساة المفجوعين، وجعلوا من دُور الإخوان معسكراتٍ لتجنيد المتطوِّعين لتوزيع الدواء في كل مكان، وسعَوا إلى الناس في أماكنهم، شارحين طرق الوقاية من هذا المرض وأساليب العلاج.
وقد كوَّن الإخوان فرقًا للإنقاذ جاهزة للإسعافات في حالات الكوارث والطوارئ، وكان مقرُّها المركز العام، وكان يُدرَّب أعضاؤها تحت إشراف الأستاذ محمد نبيه عبد المجيد مندوب مصلحة الوقاية، وكان يقوم بتدريب الأعضاء على اتقاء الغارات الجوية المحتَملة أثناء الحرب العالمية الثانية، ويُعدُّ منهم فرق للإنقاذ.
وعندما اجتاحت الكوليرا مصر عن طريق جنود الاحتلال قرَّر مكتب الإرشاد في جلسة 23 سبتمبر 1947م, 13 ذي القعدة 1366هـ إرسال خطاب لوزير الصحة يعلنون له استعداد أربعين ألف من جوالة الإخوان المسلمين للتطوُّع في فِرَق مكافحة الكوليرا, وفي جلسة 5 أكتوبر 1947 قرَّر المكتب إرسال خطاب آخر لوزير الصحة باستعداد مستوصفات الإخوان للقيام بعملية التطعيم ضد الكوليرا وتجهيز عشر سيارات للمرور في الأحياء الموبوءة لعملية التطعيم ومساعدة وزارة الصحة.
وهذا نص الخطاب:

"حضرة صاحب المعالي وزير الصحة العمومية..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

في غمرة هذه المحنة التي تهدِّد الصحة العامة للبلاد بوباء الكوليرا، والتي تنادي كلَّ وطني صادق أن يساهم بكل ما يسعه من جهد وطاقة، تتقدَّم إدارة الجوالة العامة للإخوان المسلمين إلى معاليكم ليحملوا نصيبهم من هذا الكفاح الوطني المقدَّس، معلنين أنهم يضعون تحت تصرُّف وزارة الصحة 40 ألف جوال من خيرة شباب الأمة وزهرة أبنائها الأطهار، منبثِّين في جميع أنحاء الوادي من كبريات المدن والحواضر إلى صغريات القرى والكفور كلهم على أتمِّ الاستعداد للقيام بما عُهد إليهم من أعمال لمكافحة هذا الوباء.

ومما يزيد الاطمئنان إلى جلال الفائدة المرجوَّة من هذا التجنيد إن شاء الله أن تعلموا- معاليكم- أن هؤلاء الألوف من شباب الإخوان الذين وهبوا لهذا الوطن العزيز أنفسهم وأرواحهم إنما يكوِّنون مجموعاتٍ كاملةَ الأجزاء، محكِّمةً النظام بوحداتها ورؤسائها ومراقبيها ومشرفيها في انتظار الأمر بالعمل في أي مكان.

ولمَّا كنا حريصين على العمل الجدي؛ لذلك نتقدَّم إلى معاليكم بنماذج من الأعمال التي يُمكن لهذه المجموعات القيام بها، علاوةً على ما يراه المسئولون من تكليفهم لما يتراءى لهم، وهي:

1- نشر الدعوة الصحية في محيط القطر كله وسرعة إذاعة النشرات والتعليمات الصادرة عن الوزارة مع التكفل بإفهامها للجمهور ومعاونته على التنفيذ.

2- التبليغ عن المصابين والإصابات، كلٌّ في محيط منطقته مع بعض الجمهور، على اعتبار ذلك واجبًا وطنيًّا لا يعذر المتخلِّف عنه.

3- تكوين فرق مختلفة للقيام بأعمال التمريض.

4- مساعدة رجال الجيش في كافة أعمالهم؛ من حصار المناطق الموبوءة، ونقل الإشارات اللاسلكية، وقيادة السيارات.

يا صاحب المعالي: قد جنَّدنا هذا الشباب الطاهر في خدمة الوطن لمحاربة هذا العدو المفاجئ، ولا شكَّ أن هؤلاء الجنود لا ينقصهم إلا أن يتحصَّنوا ضد المرض بالمصل الواقي، وأن تتفق وزارة الصحة مع الوزارات والشركات والمصانع التي يعمل بها هؤلاء الإخوان على انتدابهم لهذه المهمة إذا كُلِّفوا بأعمال نهارية تتعارض مع أوقات أعمالهم الرسمية، مع الاحتفاظ لهم بمراكزهم وأعمالهم عند زوال خطر الوباء عن البلاد قريبًا إن شاء الله.

هذا، ويسرنا إلى جانب ذلك أن نضع تحت تصرف وزارة الصحة 1500 شعبة من دَور الإخوان المسلمين تكون مركزًا للأغراض الوقائية والعلاجية ضد هذا الوباء، ولا سيما في المناطق التي ليس للصحة بها مراكز ثابتة.

وفى انتظار إجابة فضيلتكم بالقبول، أرجو أن تتقبَّلوا أصدق التحيات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حسن البنا - المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين".


ولقد نشطت الشُّعَب في هذا الأمر؛ ففي نجع حمادي افتتح الإخوان المسلمون مستوصفًا لعلاج المرضى يشرف على إدارته الدكتور توفيق بك عثمان أبو النصر حكيمباشي المستشفى الأميري، ويستقبل المستوصف المرضى مرتين في الأسبوع؛ يومي الإثنين والجمعة؛ وذلك بشعبة الإخوان المسلمين بنجع حمادي، أما في أسيوط فقد افتتح الإخوان العيادة الطبية، وكان مديرها الدكتور عباس محمد حسين، وكانت العيادة تقوم بمعالجة جميع المرضى مجانًا، شاملاً العلاج لجميع الأمراض على اختلاف أنواعها، من التاسعة إلى الحادية عشرة صباحًا يوميًّا ما عدا يوم الجمعة.

وقد بلغ شدة الإقبال على هذه العيادات أن المستوصف الخيري الذي أنشأه الإخوان المسلمون بطنطا بلغ عدد المرضى الذين عُولجوا فيه من مختلف الأمراض بعد أقل من شهرين ونصف من نشأته 1233 مريضًا؛ ما بين رجالٍ وأطفالٍ ونساءٍ، وقد أُعدَّ هذا المستوصف بجميع الأدوات والأجهزة وغرف الكشف وأدوات التحليل والفحص، ويشرف على العلاج فيه خلاصة أطباء المدينة كلٍّ في اختصاصه.







الأحد، 12 سبتمبر 2010

تعليق عل حوار جريدة الشروق بتاريخ 12 سبتمبر

أرسلت هذا التعليق ردا على حديث وحيد مع جريدة الشروق بتاريخ الأحد 12 سبتمبر تحت عنوان (الإخوان كذابون ومرشدهم كان أداه فى يد الملك)!! والتعليق مختصر لأن الجريد لا تقبل تعليقات أكثر من 1500 حرف


بمنتهى الموضوعية:
الاستاذ وحيد حامد يظن أن المصريين مجموعة من المتخلفين الذين يصدقون كل ما يقال من أي شخص!! يا أستاذ وحيد أنت قمت بجريمة كاملة الأركان:

1- تتبعت فقط العورات والزلات والعثرات والسقطات (التى لا يسلم منها أي بشر) وتجاهلت كل الإيجابيات وخصوصا فى الحلقات الأخيرة
2-نقلت أمور عديدة على طريقة لا تقربوا الصلاة وقد رصدت أكثر من 50 موقف، منها مثلا (مقابلة الشيخ الدجوي- السهرة مع القاضي الشرعي- فتنة تعيين الشيخ على الجداوي- مقال استعدوا يا جنود- مقابلة الملك فاروق- مقابلة النحاس - الموقف من تحطيم الخمارات - العودة من الحج - ..) -
3- غيرت بعض الألفاظ والحروف لتأتى بنتيجة مغايرة تماما للحقيقة (مثل تغيير كلمة القتال فى سبيل الله إلى "القتل" فى سبيل الله)
4- إضافة عبارات لا أصل لها تماما إلى أحداث حقيقية لتحقيق الأثر السلبي (البيعة - الجوالة - هيئة القناة - المقابلات المختلفة مع العديد من الشخصيات - ....)
5- إختلقت واخترعت أحداث ومشاهد لا أصل لها لتوصيل رسالة شديدة السلبية (الأمثلة كثيرة جدا: منها -لعبة مسلمين وكفار! - حادثة العنف الأولى المزعومة أمام المدرسة - حسن البنا يشترى السلاح بنفسه - انتخابات 1944 وبلطجة الأخوان فيها - 25 قتيل فى انفجار الشارع أمام المحكمة الذي لم يصب فيه أحد أصلا!! - والعديد)
6-حشوت المسلسل بكل الشبهات الفكرية حول جماعة الإخوان والتى قتلت بحثا ورد عليها مئات المرات حتى من الباحثين المحايدين والعجيب أنك أظهرت الإخوان لا يستطيعون الرد عليها داخل المسلسل!! مثل (الإخوان جماعة المسلمين - الإخوان يطالبون بدولة دينية - لا يعرفون أهدافهم - التمويل الخارجي - تكفير المخالفين - العنف والإرهاب - الانتهازية - الكذب - .....)
7- استخدام بعض المصطلحات وتكرارها حتى توهم المشاهدين أنها حقيقة مسلم بها مثل (التنظيم السري بدلا من النظام الخاص- العرض العسكري بدلا من العرض الرياضي - الدين يفسد السياسة والسياسة تفسد الدين- الخلافة الإسلامية انتهت بعد الخلفاء الراشدين- والعديد..
8- استخدام جميع وسائل اللمز والغمز والتلميحات والنظرات ولغة الجسد شديدة السلبية لتوصيل رسالة مخالفة تماما للحقيقة تقريبا فى جميع المشاهد إلا فيما ندر

الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

الإفتراء والكذب فى حادث نسف المحكمة

من الملاحظ أن حدة الأكاذيب والتحامل قد زادت بصورة كبيرة فى الحلقات الأخيرة (وهي التي تحتوى على فترة "انفلات" النظام الخاص للأسف بعد أن حيل بينه وبين قيادته، والتى سأفرد لها تدوينة قادمة بمشيئة الله لتوضيح الحقائق والأخطاء) وأصبح المؤلف لا يجد غضاضة فى إختلاق أحداث شديدة البشاعة مخالفة تماما لحقيقة ما حدث ويصورها المخرج بكل ما أوتى من إمكانيات وتأثيرات لإحداث أكبر أثر لها عند المشاهد فيظهر محاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب وكأنها مشهد من مشاهد الحرب على غزة!! مع انتشار الجثث فى الشارع!!! ويأتى على لسان أحد المسئولين فى المسلسل أن عدد القتلى 25 قتيل من الأبرياء!!! غير المصابين!!! وحسبنا الله ونعم الوكيل

حقيقة ما حدث يذكرها محمود الصباغ فى كتابه عن النظام الخاص:


سرية شفيق أنس لحرق أوراق السيارة الجيب:

نظر السيد فايز في كل ما تنسبه الحكومة إلى الإخوان من جرائم باطلة، مدعية أنها تستند في كل ما تدعيه إلى حقائق صارخة في المستندات والوثائق المضبوطة في السيارة الجيب.

وكان يعلم يقينًا بكذب هذه الافتراءات، ودليل ذلك ما ذكره عبد المجيد أحمد حسن بعد أن قرر الاعتراف على زملائه، واستندت إليه المحكمة في براءة النظام الخاص مما وجه إليه من اتهامات- ولم يساوره شك في أن الحكومة قد زورت وثائق وقدمتها للنيابة لتدين الإخوان بما ليس فيهم من جرائم واتهامات باطلة، فقرر حرق هذه الأوراق وكون سرية لهذا الغرض بقيادة الأخ شفيق أنس، وقد رسمت الخطة على النحو الذي ظهر في تحقيقات القضية المسماة زورًا وبهتانا قضية محاولة نسف المحكمة، وحقيقتها أنها كانت محاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب.

وتمكن شفيق أنس من أن يضع حقيبة مملوءة بالمواد الحارقة معدة للانفجار الزمني بجوار دولاب حفظ أوراق قضية السيارة الجيب، إلا أن قدر الله قد مكن أحد المخبرين من ملاحظة شفيق، وهو يترك الحقيبة ثم ينصرف نازلا على درج المحكمة، فجرى مسرعًأ وحمل الحقيبة وجرى بها خلف شفيق، الذي أسرع في الجري حتى لا تنفجر الحقيبة على سلم المحكمة أو وسط حشود الداخلين في بهوها، ولما خرج إلى الميدان حذر المخبر من الحقيبة، فتركها فانفجرت في ساحة الميدان دون إحداث خسائر تذكر، وقبض على شفيق.

وقد هللت أجهزة الحكومة مدعية أن الغرض كان نسف المحكمة، وبالغت أبواق الاتهام تهيئ الجو للقضاء التام على الإخوان المسلمين

إلى الذين لم يعرفونا بقلم الإمام الشهيد حسن البنا

إلى الذين لم يعرفونا

بقلم الإمام الشهيد حسن البنا

كتب الإخوان المسلمون كثيراً في بيان فكرتهم، وخطبوا كثيراً في شرح منهاجهم، وأبانوا عن أنفسهم في كثير من المواطن بوسائل الدعوة المختلفة. وبالرغم من ذلك كله لا يزال فريق من الناس يفهمون الإخوان على غير حقيقتهم، ويرسمون لهم في خيالهم صورا لا تتفق مع الحقيقة في قليل ولا كثير. فإلى هؤلاء الذين لم يعرفونا من قبل أو الذين عرفونا بصورة غير حقيقية أوجّه هذه الكلمة.

الإخوان المسلمون في إيجاز (جماعة فهموا الإسلام فهماً صحيحاً، واعتقدوه أفضل نظام لإصلاح الأمم والشعوب في كل مناحي الحياة، فاجتهدوا أن يعملوا به في أنفسهم وشئونهم، ووقـفـوا حياتهم على بيان محاسنه وجماله، ودعوا الناس جميعاً إليه، حتى تسود تعاليمه هذا الكون، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله).

يظن كثيراً من الناس أن الإخوان المسلمين (دعوة حزبية) لا .. إنهم يتبرمون بالأحزاب السياسية، ويمقتون نظام المجتمع القائم على أساسها، وينادون بالقضاء عليها، وجمع كلمة الأمة على ما فيه خيرها ومصلحتها، ويستشهدون بالواقع الذي لا مكابرة فيه على ضرر الأحزاب، وخطر الأحزاب على شعب في فجر نهضته كالشعب المصري، فليعلم هؤلاء أن الإخوان ما كانوا يوماً من الأيام صنيعة لحزب، أو متصلين بحزب، أو عاملين لمصلحة حزب، أو نصراء لحزب على آخر، ولكنهم يرون في الحزبية خطراً، فهم يدعون دائماً إلى الوحدة (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).

يظن كثير من الناس أن الإخوان المسلمين يقضون الليل في المساجد والمغاور، ويشترطون على من يلتحق بهم أن يتجرد من عمله، ويتـفرغ للعبـادة، ويهمل في شئونه الخاصة. والإخوان المسلمون في حقيقة دعوتهم يحاربون هذا التنطع، وينكرون هذه البطالة، ويلزمون من يتبع طريقتهم أن يكون إماما في كل شيء: في العلم، وفي المال، وفي القوة، وفي الصحة، وفي الخلق، ولا يلزمون أحداً إلا أن يؤدي فرائض الله التي فرضها، ويجتنب محارمه التي حرمها، أما تلك الليالي التي يجتمع الإخوان فيها في مسجد من المساجد أو في مكان خلوى، فليست إلا اجتماعات عادية إما لدرس أو لتعارف، أو رياضة، أو نزهة، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الجماعات، وكل اجتماعاتهم إنما تكون في دورهم وفي أنديتهم.

ويظن كثير من الناس أن الإخوان يشترطون في أعضاء جماعتهم هيئة خاصة في اللباس، ونظام الحياة المنزلية وغيرها من شئون الحياة الخاصة. وذلك وهْم كبير فالإخوان يعلمون أن التقوى في القلوب والأعمال قبل أن تكون في المظاهر والأشكال، وأن الدين يعنى أول ما يعنى بتطهير النفوس وتزكيتها، وسلامة العقائد وتصحيحها، وإحسان العبادة لله تبارك وتعالى، ولم يجعل الناس في حرج من العادات والشئون الخاصة. وكل الذي يقوله الإخوان في هذا: أن للإسلام آدابا وضعها يجب على كل مسلم سواء أكان عضوا في جماعتهم أم غير عضو فيها أن يحافظ عليها وأن يلزمها، ويلزم بها أهله ونساءه، وكل من له ولاية عليهم.

ويظن كثير من الناس أن الإخوان يتاجرون بالدين، ويسترون وراء دعوتهم الإسلامية دعوة أخرى خفية غير ظاهرة، فإذا سألتهم عن ماهية هذه الغايات المستورة، والدعوة الخفية، سكتوا أو ضربوا في بيداء من الخيال لا حدود لها ولا نهاية. والإخوان المسلمون لا يعملون في الظلام، ولا يجتمعون في بطن الأرض، ولا يتدارسون رمـوزا ولا شفـرات، ولكنهـم يعملون في وضح، ويجتمعون في المساجد الجامعة، والأندية العامة، ويفتحون أبوابهم على مصاريعها لجميع الناس، ويذيعون آراءهم إلى أبعد ما تبلغه محطة الإذاعة، ويتدارسون كتاب الله وأحاديث رسوله، ويخطبون بفكرتهم على رءوس المنابر، وعلى ملأ الألوف من الأشهاد، ولا يكتفون بهذا فهم يطبعون ما يقولون وينشرونه بالمجان في غالب الأحيان، ودأبوا على ذلك عشر سنين طوالا، فلم ينكشف باطن أمرهم عن شيء يخالف ما ظهروا به وما دعوا الناس إليه.

ويغمز كثير من الناس الإخوان المسلمين بالقول في المجالس، أو بالكتابة في الصحف غمزا خفيا أو ظاهرا واضحا في وطنيتهم أو في خطتهم أو طريقتهم، أو في جرأتهم في الحق، وصراحتهم في الجهاد، وكثير من هؤلاء لم يجرِّبوا ما جرَّب الإخوان، ولم يحيطوا بأطراف الدعوات وشئونها ومستلزماتها ما أحاط الإخوان، ولم يفكروا في عواقب الأعمال ونتائجها وثمرتها ما فكر الإخوان، وقد يكون كل ما عندهم حماسة مشكورة، أو جهالة معذورة. هذه المزاعم كلها أو بعضها أو أكثر منها في سلسلة طويلة من الخيال البديع أحياناً، والمريع أحيانا أخرى أسمعها أو تنقل إلى الإخوان، فأعجب لها وأفرح بها، فإن الحيرة بدء المعرفة، والشك سبيل اليقين.

فإلى هؤلاء الذين لا يعرفوننا أوجه الدعوة عامة وخاصة أن يشرفوا دورنا بالزيارة القصيرة أو الدائمة، ليروا بأنفسهم أين الإخوان مما سمعوا أو تخيلوا، وليطمئنوا على أن هذه الزيارة لا تكلفهم أية تبعة مادية أو أدبية بل قد يفيدون منها في ناحية من هاتين أو فيهما معاً. وأظن أن هذه هي أدق طريق وأقصرها إلى المعرفة الصحيحة، فليس بعد البيان بيان، والمشاهدة أصدق دليل.

وليثق الذين يكتبون عن الإخوان في صحفهم وجرائدهم فيصورونهم تصويراً غير حقيقي، ويتجنون عليهم في الأوصاف والأحكام، أن الإخوان لا يغضبون لهذا، ولا يحنقون على كاتبيه، وأنهم سوف لا يردون عليهم هذا العدوان بمثله، لا لأنهم يعجزون عن الرد فلا أظن أحدا - وخصوصاً في مصر في هذه الأيام - يعجز عن أن يقارض غيره انتقاصا بانتقاص وشتما بشتم. ولكن لأن الإخوان يريدون أن يضربوا للناس مثلا في التكرم، والمرور باللغو مر الكرام، ووجوب صرف الوقت في غير الجدل اللفظي. وهم كذلك لا يريدون أن يوسعوا شقة الخلاف بينهم وبين غيرهم، فهم يعتقدون أن الغيب سر من أسرار الله، ومن يدري فقد يكون خصم اليوم صديق الغد، وصديق اليوم خصم الغد ولله في خلقة شئون، وما أحكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما) وحسبنا أن نقول لهؤلاء الإخوان: يحسن إن أردتم أن تقابلوا هذا التكرم بالتقدير ولكم الحرية على كل حال.

أيها الذين لم تعرفوا الإخوان المسلمين بعد: اجتهدوا أن تعرفوهم، وهم ليسوا ألغازا، وستجدون فيهم سمو المبدأ إلى أبعد حدود السمو، وعمق الإيمان إلى أعمق أغوار النفوس والأرواح، وصدق الرغبة والغيرة والحماسة إلى أرفع حدود الصدق، وستعلمون بحق أنهم بفضل الله عليهم لا بأنفسهم معقد الأمل، وموضع الرجاء، نحسبنا كذلك ولا نزكي على الله أحدا، واللهم لا تكلنا إلى أنفسنا.

جريدة النذير الأسبوعية: العدد 3 ـ السنة 2 ـ الإثنين 15 محرم 1358هـ.

الاثنين، 6 سبتمبر 2010

حسن البنا بين شهادة العدول وافتراءات الجهول

حاول السيناريست بشتى السبل أن يظهر حسن البنا فى المسلسل كأنه الشيطان الرجيم، وتدرج فى ذلك من بداية الحلقات فأظهره أولا فيه بعض الصفات السلبية ثم زادت المساحة حتى أصبحت فى نهاية الحلقات شخصية سلبية تماما لا تحمل أى خير!! فهو انتهازي، كذاب، منافق، وصولى، عنيف، متجهم، عبيط، ساذج، متشائم، متسلط، جشع، مخادع، يغير أقواله من أجل مصلحته، بل ويبكي لاستدرار عطف الناس عليه، يفقد أعصابه ويثور ويطيح بالكراسي، يصيح فى الناس بلا سبب واضح، يستمتع بتقبيل يده، لا علاقة له بالدين بل هو سياسي فقط، ....!!!!

وسأسوق هنا بعض الأقوال عن حسن البنا: ليس للرد على هذا الجهول فهو لا يستحق ولكنها فرصة لمن لم يسمع عن حسن البنا:

- والإمام الشهيد حسن البنا أحد أولئك الذين لا يدرك البلى ذكراهم، ولا يرقى النسيان إلى منازلهم، لآنه رحمه الله لم يعش لنفسه، بل عاش للناس، ولم يعمل لمنفعته الخاصة، بل عمل للصالح العام. الرئيس المصري الراحل محمد نجيب ..

- كان حسن البنا يبعث على احترامه.. جمال عبد الناصر

- إن الأستاذ البنا رجل مسلم غيور على دينه يفهم الوسط الذي يعيش فيه ويعرف مواضع الداء في جسم الأمة الإسلامية ويفقه أسرار الإسلام وقد اتصل بالناس اتصالا وثيقا على اختلاف طبقاتهم وشغل نفسه بالإصلاح الديني والاجتماعي على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الجامع الأزهر

- الشيخ حسن البنا- أنزله الله منازلَ الأبرار- من أعظم الشخصيات الإسلامية في هذا العصر، بل هو الزعيم الإسلامي الذي جاهد في الله حقَّ الجهاد، واتخذ لدعوة الحق منهاجًا صالحًا، وسبيلاً واضحًا، واستمده من القرآن والسنة النبوية، ومن روح التشريع الإسلامي، وقام بتنفيذه بحكمة وسداد، وصبر وعزم، حتى انتشرت الدعوةُ الإسلامية في آفاق مصر وغيرها من بلاد الإسلام واستظلَّ برايتها خلق كثير. فضيلة الشيخ حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية الأسبق

- قد كان وضع العالم الإسلامي عامة، ووضع مصر والعالم العربي خاصة: يحتاج إلى رجل ذي فكر ثاقب، وحس مرهف، وإيمان دافق، وإرادة صُلبة، يشعر بما تعانيه الأمة من أمراض وآلام، ويقدر على تشخيص الداء، ووصف الدواء، ويصبر على متابعة مريضه، حتى ينتقل به من مرحلة "السقام" إلى مرحلة العافية، ومنها إلى مرحلة القوة. كان هذا الرجل المنشود أو القائد المنتظر، هو "حسن البنا". أبو الحسن الندوي

- هذا الشرق لا يستطيع أن يحتفظ طويلا ً بالكنز الذي يقع في يده. إنه رجل لا ضريب له في هذا العصر، لقد مرّ في تاريخ مصر مرور الطيف العابر الذي لا يتكرر, كان لابد ان يموت هذا الرجل الذي صنع التاريخ وحوّل مجرى الطريق شهيدا كما مات عمر وعلي والحسين. كان لا بد أن يموت مبكرا ً ، فقد كان غريبا ً عن طبيعة المجتمع .يبدو كأنه الكلمة التي سبقت وقتها، أو لم يأت وقتها بعد. من كلام الكاتب الأمريكي روبرت جاكسون عن الأستاذ البنا

- لو لم يكن للشيخ حسن البنا رحمه الله من الفضل على الشباب المسلم سوى انه أخرجهم من دور الملاهي في "السينمات" ونحو ذلك والمقاهي، وكتّلهم وجمعهم على دعوة واحدة، ألا وهي دعوة الإسلام,, لو لم يكن له من الفضل إلا هذا لكفاه فضلا ً وشرفا ً, هذا نقوله معتقدين، لا مرائين، ولا مداهنين. الشيخ الألباني رحمه الله ..

- لقد قتل حسن البناء يوم قتل والعالم كله أتفه شيء في ناظريه. ....... لقد عاد القرآن غضا طريا على لسانه، وبدت وراثة النبوة ظاهرة في شمائله. ووقف هذا الرجل الفذ صخرة عاتية انحسرت في سفحها أمواج المادية الطاغية، وإلى جانبه طلائع الجيل الجديد الذي أفعم قلبه حبا للإسلام، واستمساكا به. وعرفت أوربا أي خطر على بقائها في الشرق إذا بقي هذا الرجل الجليل، فأوحت إلى زبانيتها، فإذا الإمام الشهيد مدرج في دمه الزكي، وإذا بجيله الذي رباه في المعتقلات". من كلام الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عن الأستاذ البنا رحمه الله ,,

- في بعض الأحيان تبدو المصادفة العابرة قدرا مقدورا وحكمة مدبرة في كتاب مسطور"حسن البنا " إنها مصادفة أن يكون هذا لقبه. ولكن من يقول: إنها مصادفة ؟! والحقيقة الكبرى لهذا الرجل هي البناء وإحسان البناء بل عبقرية البناء ؟!.. وإن استشهاده عملية جديدة من عمليات البناء، عملية تعميق للأساس وتقوية للجدران، وما كان ألف خطبة وخطبة، ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لتلهب الدعوة في نفوس الإخوان كما ألهبتها قطراتُ الدم الزكي المهراق .. إنّ كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا مُتنا في سبيلها دَبَّت فيها الروح، وكتبت لها الحياة. وعندما سلَّط الطغاة الحديد والنار على بناء حسن البنا والعاملين فيه، استطال على الهدم، لأن الحديد والنار لايمكن أن يهدما فكرة في يوم من الأيام ..الشهيد سيّد قطب رحمه الله

- كيف لا يحيا ويخلد رجل استوحى في الدين هدى ربه وفي الدنيا وحي قلبه. وإذا ما ذكرتم اليوم الفضيلة فى قبرها ، فاذكروا أيضا ما كان يذكره هو على الدوام إذ يذكر الحرية فى سجنها . اذكروه أنتم أيها الإخوان ثم اذكروه ففي ذكره حياة له ولكم. مكرم عبيد



الأحد، 5 سبتمبر 2010

من هو محمود فهمي النقراشي؟

بما أن المسلسل صور محمود فهمي النقراشي باشا على أنه مثال للوطنية والنزاهة وشديد الإخلاص لوطنه!!! فتعالوا معنا نتعرف على من هو محمود فهمي النقراشي:
  1. - كان هو المسؤول عن إصدار الأمر بفتح كوبري عباس في 9 فبراير 1946 في مواجهة مظاهرة الطلاب ضد الإنجليز والتي قتل وجرح فيها أكثر من مائتي فرد.
  2. - قام بعرض قضية مصر على مجلس الأمن، وقد تأخر في عرضها عام حيث سبقته سوريا ولبنان واندونيسيا، ونالوا استقلالهم الفعلي، لكن تأخره في العرض بل وتهاونه في المطالبة وضعف عرضه أدى لرفض مجلس الأمن مناقشة القضية وأن القضية قضية داخلية يحلها المصريون مع الإنجليز، وليس ذلك فحسب بل لم يتمسك بوحدة مصر والسودان فأهمل قضية السودان حتى اقتطعها الانجليز من مصر.
  3. -أعلن الإنجليز أنهم سينسحبون بقواتهم من فلسطين في 15 مايو 1948م، وقد يسر الأمر لليهود للاحتلال الأماكن التي يخلونها، فطالب الإخوان فتح أبواب التطوع واستطاعوا أن يقنعوا عبد الرحمن عزام الأمين العام لجامعة الدول العربية بفتح باب التطوع، فسارع الشباب من كلِّ حدب وصوب يستكتبون أسمائهم في سجلات المتطوعين، وفتحت الجامعة العربية أبوابها أمام المتطوعين، كما فتح المركز العام للإخوان أبوابه وتسابق الشباب، وسافرت أول كتيبة للإخوان تحت قيادة الشيخ محمد فرغلي ويوسف طلعت، ثم سافرت الكتيبة الثانية إلى قطنه في سوريا لتنضم للمجاهدين السوريين، فكان ذلك سببًا في فزع الملك وخشيته من زيادة نفوذ هؤلاء المجاهدين فضغط على النقراشي بإرسال قوات من الجيش، واستفسر النقراشي عن حالة الجيش من وزير الدفاع محمد حيدر وقائده اللواء أحمد المواوي فاعترضا على دخول الجيش بهذه الحالة بسبب الضعف الذي يعانى منه وقلة السلاح، غير أن النقراشي باشا طلب باجتماع مجلس النواب وعرض عليه الأمر بعد تزييف الحقائق حيث أخبرهم أن الجيش لديه العدد والعتاد، مما كان له أثره السيئ وقت المعركة حيث منى الجيش بالعديد من الهزائم والضربات، هذا غير صفقات السلاح الفاسدة التي أرسلت للجيش فكانت وبالا عليه، بل لم يكتف بذلك فحسب، بل منع السلاح الذي كانت تقوم اللجنة العليا لنصرة فلسطين بجمعه وإرساله للمجاهدين.
  4. - قبوله الهدنة في 4 ديسمبر 1948م استجابة لنداء اليهود ومن خلفهم الانجليز والأمريكان بالرغم من وصول المجاهدين وقوات الجيش لمناطق هامة حتى أنهم كانوا على مقربة من تل أبيب، كما أنه أثناء الهدنة لم يقم بإمداد القوات بالسلاح بل منع السلاح في الوقت التي كانت العصابات اليهودية تحصل على السلاح وتقوم بخرق الهدنة بين الحين والأخر.
  5. - أصدر أمر بمنع باقي المجاهدين من السفر بل وطالب بعودة المجاهدين الموجودين في أرض المعركة، بل أصدر أمر للواء فؤاد صادق باعتقال كل المجاهدين الموجودين في فلسطين غير أن الرجل رفض اعتقالهم حتى يتموا مهمتهم.
  6. - عندما وقع الجيش المصري تحت الحصار في الفالوجا لم يمده بالإمدادات ولم تصل له أية إمدادات إلا عن طريق المتطوعين تحت قيادة الضابط معروف الحضري، وظل الجيش تحت الحصار حتى عقدت معاهدة ردوس في مارس 1949م، مما زاد من حنق وغضب الجيش على الملك والوزارة.
  7. - بعد وصول المتطوعين من الإخوان إلى فلسطين واشتباكهم مع عصابات اليهود أثبتوا جدارتهم في إدارة المعركة مما أقلق اليهود بسبب هذه الفئة، والتي قال عنها موشى ديان -آنذاك: «إننا لا نخشى الجيوش العربية مجتمعة لكننا نخشى أن نواجه فئة واحدة هي الإخوان المسلمين»، فاستغاث اليهود بالأمريكان والإنجليز والفرنسيين فعقدوا اجتماع في فايد في 10 نوفمبر قرروا فيه أن يطلبوا من النقراشي باشا حل جماعة الإخوان المسلمين واستدعاء قواتهم، وبالرغم أن أحد لم يستطع إصدار مثل هذا القرار من قبل حيث حاول النحاس باشا لكنه تراجع كما تراجع حسين سرى باشا لكن النقراشي باشا وافق على ذلك وطلب من عبد الرحمن عمار مسئول الأمن العام إعداد مذكرة ليبنى عليها الحل فأعدها من قضايا ضد الإخوان برأهم القضاء منها جميعا غير أن النقراشي باشا أصدر في 8 ديسمبر 1948م قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالهم وأملاكهم ومؤسساتهم وشركاتهم مما أدى لتشريد آلاف العمال بها فزاد من غضبهم عليه، وقد قال عبد الرحمن الرافعي على حل جماعة الإخوان المسلمين: «لعمري أن النقراشي لم يكن موفقًا في إصدار هذا الأمر؛ فإنه ليس من العدل أن تأخذ الجمعيات والأحزاب بتصرفات أو جرائم وقعت من بعض أعضائها، بل يقتصر الجزاء على من ارتكبوا هذه الجرائم».
  8. - لم يكتف النقراشي بحل الجماعة ومصادرة أملاكها لكنه أصدر قرارًا باعتقال قادتها والزج بهم في السجون مما أدى إلى فراغ لدى الشباب المملوء حماسة وغضبا على هذه التصرفات ومن ثم فقد عنصر التأثير والتوجيه الصحيح لهم وأصبحوا كالسفينة بدون ربان.

السيارة الجيب... على طريقة لا تقربوا الصلاة

من يشاهد الطريقة التى قدمها المسلسل فى عرضه لقضية السيارة الجيب وما قدمه لها من جعل الإخوان هم الذين قاموا بكل عمليات التفجير و"الإرهاب" فى أنحاء مصر يعتقد أن نهاية هذه القضية كانت أحكام قاسية على كل من إتُهم فى هذه القضية وأنها كانت الضربة القاصمة التى أظهرت حقيقة الإخوان "الإرهابيين" الذين يعيثون فى الأرض فساداً!!
ولكن إليكم هذه الحقائق:
1- كانت أهم المضبوطات القائمة الكاملة لأعضاء النظام الخاص والذين ألقي القبض عليهم جميعا، وقد اشتملت الأوراق على كل أسرار هذا النظام ووسائله وأهدافه.

2- وجهت النيابة الاتهام إلى ثلاثة وثلاثين متهما وبطبيعة الحال كان المتهم الأول عبد الرحمن السندى. وكان الاتهام الموجه يبدأ بتهمة الاتفاق الجنائى على قلب وتغيير دستور الدولة وشكل الحكومة بالقوة وإتلاف سيارات وأسلحة الجيش وتخريب المنشآت وقتل عدد كبير من المصريين والأجانب وتعريض حياة الناس وأموالهم عمدا للخطر وتعطيل وسائل النقل العامة وإتلاف الخطوط التلغرافية والتليفونية الحكومية وإقامة واستعمال محطات سرية للإذاعة اللاسكية...الخ وبأنهم حازوا مقادير كبيرة من القنابل اليدوية والفسفورية والجلجنايت والمفرقعات والأسلحة النارية والأسلحة البيضاء... الخ
3- بدأت المحاكمة أمام محكمة جنايات عسكرية فى 10/12/ 1949 مكونة من ثلاثة مستشارين واثنين من كبار الضباط لمدة ثلاث جلسات
كان آخرها فى 28/ 3/ 1950.
4- بعدها استقر نظر القضية أمام محكمة جنايات عادية، يرأسها المستشار " أحمد بك كامل" وكان المستشار "محمود عبد اللطيف" عضو اليمين بها, كما كان المستشار" زكى شرف" هو عضو اليسار.
5- بدأ النظر الفعلى للقضية فى 12 ديسمبر 1950 فعقدت إحدى وأربعين جلسة, ثم كانت الثانية والأربعين فى 17/3/1951 للنطق بالحكم, بمعدل أربع جلسات فى الأسبوع, واستمر نظر القضية ثلاثة أشهر ونصفا. وقد طلبت النيابة فى الجلسة الأولى تعديل بعض مواد الاتهام إلى مواد أشد عقوبة وطالبت برءوس المتهمين وإعدامهم.
6- كان من الشهود الذين استمعت لهم المحكمة: الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، اللواء أحمد فؤاد صادق باشا قائد عام حملة فلسطين، اللواء أحمد على المواوى أول قائد عام لحملة فلسطين، إبراهيم عبد الهادى باشا خليفة النقراشى فى الوزارة والحزب، الأستاذ محمد حامد أبو النصر والحاج حسن حسني المنياوي والصاغ محمود لبيب بك.
7- صدر الحكم فى القضية يوم 17 / 3/ 1951 وكان كالآتى: البراءة لخمسة عشر متهماً والسجن سنة واحدة لمتهم واحد وسنتين لأحد عشر متهماً، والسجن ثلاث سنوات لخمسة متهمين، مع الإشادة بحسن نوايا المدانين!!! ووصفتهم بأنهم من ذوي الأغراض السامية
8- أقرت النيابة العامة الحكم ولم تنقضه اعترافا منها بعدم وجود ثغرات لنقضه وأقرت بكل ما جاء فيه اعترافًا منها أنها كانت على خطأ كبير، فقد اشتملت الأوراق المضبوطة في السيارة الجيب على كل أسرار هذا النظام ووسائله وأهدافه، ولم تكن إلا أشرف الوسائل وأنبل الغايات، كما ذكرت المحكمة.

9- وقالت المحكمة في نص حكمها:
- أن المدانين كانوا من ذوي الأغراض السامية التي ترمي أول ما ترمي إلى تحقيق الأهداف الوطنية لهذا الشعب المغلوب على أمره.

- إن المتهمين ظنًا منهم أن أعمال النسف تبلغ بهم أهدافهم عن سبيل قصير فاتحدت إرادتهم على القيام بأعمال قتل ونسف مما قد لا يضر المحتلين بقدر ما يؤذي مواطنيهم.
وهذا البند يعني أنه لو تحقق للمحكمة أن أعمال القتل والنسف والتدمير التي اتحدت إرادة المتهمين على القيام بها سيقتصر ضررها على المحتلين لحق على المحكمة أن تبرئهم جميعا.
- إن المحكمة وهي تدين المدانيين لم تدنهم بارتكاب حالة قتل أو نسف محددة ليؤخذ حكمها على أنه عقاب، كما أنها لم تدنهم بالاتفاق الجنائي على القيام بحالة قتل أو نسف محددة، ولكنها اتخذت من حيازة بعضهم لأدوات القتل والنسف والتدمير، ومن ثبوت سحب بعضهم مسحوبات مالية من مبلغ في حدود الألفين جنيه كان مودعًا عند أحد التجار، دليلا على اتحاد نيتهم على استعمال هذه الأموال والمعدات في عمليات قتل ونسف وتخريب مجهولة تمامًا لدى المحكمة، ولكن قانون الاتفاق الجنائي الذي وضعه الإنجليز عقب مقتل بطرس غالي باشا لاستخدامه في كتم أنفاس الشعب المصري يسمح بالإدانة في مثل هذه الحالة التي لا يقر الإدانة فيها عقل ولا دين، ولكن المحكمة مضطرة للإدانة بمقتضاه وفاء لقسمها كما سبق أن بينت، ولهذا السبب ميزت المحكمة بين أعضاء النظام الخاص وبين المدانين بتسمية جديدة من عندها هي أن المدانين كونوا فيما بينهم جمعية إرهابية.

- إنها في تقدير العقوبة التي أبت إلا أن تسميها درسًا، قدرتها بحيث يفرج عن جميع المتهمين في لحظة النطق بالحكم، فلم تتجاوز في أي حكم من أحكامها ثلاث سنوات، وقد قضى جميع المتهمين ثلاثة أرباع هذه المدة بالفعل في الحبس الاحتياطي، وبذلك وضعت المحكمة الدولة أمام فرض يلزمها بالإفراد عن المتهمين جميعًا فور النطق بالحكم.

- إن المحكمة برأت كل أعضاء النظام الخاص في القضية رغم إقامتها الدليل على أنهم من أعضاء النظام الخاص تمشيًا مع حكمها ببراءة الدعوة وبراءة النظام الخاص من أدنى خروج على القانون، وسوف نضرب أمثلة على ما قالته المحكمة في شأن بعض أعضاء النظام الخاص الذين قضت ببراءتهم ليتحقق للقارئ أن المحكمة ترى وتشيد أن هذا المتهم من أعضاء النظام السري الخاص، وأن انتماءه هذا لا يدينه قانونًا، حتى في ظل القانون الوضعي الجائر الذي تحكم به.

10- وكانت المفاجأة الكبرى .. بعد إنتهاء القضية قام إثنان من القضاة - بعد أن استعرضوا الأوراق السرية لقضية السيارة الجيب وثبت لهم بيقين من أعمال الرجال الذين قاموا على تنفيذ ما احتوته عليه هذه الأوراق من أفكار ومبادئ وخطط، أنهم على الحق المبين - بإعلان إنضمامهما للإخوان المسلمين واستقالا من سلك القضاء!!!

وقد كتب محمود الصباغ في كتابه "حقيقة التنظيم الخاص" تحت عنوان ضبط السيارة الجيب كان تدبيرًا سماويًا لحماية الدعوة، وليس للبوليس أدنى فضل فيه:

إن استقراء الوقائع التي وقعت قدريًا في نوفمبر سنة 1948 من ضبط مخزن الأسلحة بالإسماعيلية وما فيه من أوراق وضبط السيارة الجيب وما فيها من وثاثق، ليوضح بأجلى صورة أنه لما سبق في علم الله أن الحكومة تعتزم الغدر بالإخوان المسلمين، مؤتمرة في ذلك بأمر قادة الحركة الصهيونية العالمية التي تستخدم الاستعمار وسيلة لتحقيق مآربها، وأن غدرها بالإخوان سوف يكون محاولة وحشية لإبادتهم والقضاء على دعوتهم، أراد الحق تبارك وتعالى أن يدفع عن الإخوان شرور هذه الهجمة الشرسة، فقيض أسبابًا عفوية لتقع هذه الوثائق في أيدي رجال البوليس ولتنكشف بها نوايا الحكومة على الغدر حيث أعمى الله بصيرتها عن حقائق هذه الوثائق فاتخذتها دليلها على إدانة الإخوان بينما هي في الواقع أدلة الحق والصدق الذي تحلت بها هذه الجماعة المباركة الصادقة في كل ما قدمت من أعمال.

فنحن نلاحظ أن الحكومة بدأت بإصدار أمر عسكري بحل جماعة الإخوان المسلمين في منطقة القنال في وقت كان فيه الإمام الشهيد يؤدي فريضة الحج مع مجموعة من الإخوان في المملكة العربية السعودية، وكان متطوعو الإخوان في الميدان يعملون جنبًا إلى جنب في فدائية فذة مع جيش مصر على أرض فلسطين، مما يقطع بالتعاون الوثيق بين الحكومة والإخوان في هذه الفترة من الزمان، وأنه لم يكن لديها أي مبرر لهذا القرار إلا على أساس تشويه الحقائق الواردة في بعض الأوراق المضبوطة في مخزن للسلاح بمنطقة الإسماعيلية، حيث كان ضبط السلاح وحده غير كاف لتعليل مثل هذا القرار، فالسلاح في يد الإخوان بتصريح من الحكومة، وهم يقاتلون به في فلسطين تحت قيادة رئيس الإخوان بالإسماعيلية الشهيد محمد فرغلي ولابد أن يكون لهم رصيدًا احتياطيًا يصلهم منه المدد على طول أيام المعركة، فهو إذن دليل شرف لا دليل إدانة في وقت المعركة، ومن ثم لم يكن أمام الحكومة إلا تشويه المعاني الواردة في الأوراق المضبوطة مع هذا السلاح وإعمال أبواق دعايتها ضد الإخوان المسلمين على أساس هذه المعاني المشوهة حتى يتقبل الجمهور مثل هذا القرار الخائن الغادر وهي لا تدري أن الحق تبارك وتعالى قد قدر في سابق علمه أن قضاء مصر سيكشف هذه الخيانة الدنيئة ويظهر الحق جليًا واضحًا للناس كافة.

ولم يلبث القدر أن ألقم الحكومة طعمًا آخر بضبط السيارة الجيب وما فيها من أوراق لتكشف عن نواياها كاملة قبل أن تتخذ لها ستارًا مانعًا من الفضيحة فاتخذت قرارها العسكري بحل الإخوان في جميع أنحاء القطر ولم يكن قد مضى على قرارها السابق بحل جماعة الإخوان في منطقة القنال إلا عدة أيام، واعتمدت على مزيد من التشويه لحقائق الأوراق المضبوطة في السيارة الجيب، لتلفت الأنظار بعيدًا عن خيانتها في فلسطين وتوجهها إلى دعاوي باطلة تنسبها إلى أخلص أبناء هذا الوطن وهم يجودون بدمائهم في سبيله في ساحة القتال، وهي لا تدري أن هذه الأوراق هي التي ستثبت براءة الإخوان من كل ما نسب إليهم، وتؤكد بطولاتهم الفذة على أرض المعركة، وتدمغ رجال هذا العهد البائد جميعًا بالخيانة والعار، وقد تأكدت هذه الحقائق للمحكمة بشهادة كبار الشهود في القضية من أمثال سماحة مفتي فلسطين واللواء فؤاد صادق باشا واللواء أحمد علي المواوي بك على النحو الذي سيجيء تفصيلاً فيما بعد في هذا الكتاب.

وقد شاء القدر أن يقدم للناس الوثائق الإنجليزية والأمريكية التي تسجل دور الاستعمار في دفع الحكومة المصرية للقضاء على الإخوان المسلمين، فنشرتها جريدة المسلمون «ضمن سلسلة مقالات الأستاذ محسن محمد بعنوان: من قتل حسن البنا» وسوف تخصص بابًا مستقلا من هذا الكتاب لسرد ما نشر من هذه الوثائق بعد أن انتهت مدة سريتها واطلع عليها المؤرخون في جميع أنحاء العالم ومنهم الأستاذ محسن محمد.

لقد كان المقصود من إصدار قرار حل الإخوان المسلمين على دفعتين، أن يفقد الإخوان توازنهم فور صدور قرار الحل بمنطقة القنال في غياب مرشدهم بالحجاز، فيأتون من الأفعال الثورية على هذا القرار ما يبرر للحكومة الإجهاز عليهم في جميع أنحاء القطر.

ولكن الإخوان كانوا كعادتهم أبناء لله والوطن، فلم يقع منهم أي رد فعل لهذا القرار الجائر، لأنه لم يكن يستند إلى أي سبب حقيقي، حيث كان معلومًا لدى الإخوان جميعًا أن حيازة السلاح في أيدي الفئات المجاهدة في فلسطين إنما يقع بتصريح من حكومة محمود فهمي النقراشي باشا صاحب قرار دخول الجيش المصري فلسطين لتحريرها.

ولقد كان من الممكن أن يقع الإخوان في خطأ نتيجة لهذا القرار الاستفزازي وأن تستند عليه الحكومة في إعلان حربها الشاملة ضد الإخوان، ولكن الفرصة ضاعت على الحكومة بسبب التزام الإخوان جانب الهدوء، فأراد الله أن يكشف النية الغادرة للحكومة، حيث يسر لها ضبط السيارة الجيب، التي يظن الجاهلون لأول وهلة عند الاطلاع على محتوياتها أنها وسيلة إدانة كافية لإعلان الحرب الشاملة على الإخوان المسلمين، ثم ينطق حكم القضاء ببراءتهم، وتعود دعوتهم كما كانت بل أكثر قوة. هذا هو تدبير العزيز الحكيم لحماية دعوته، كما حمى نبيه يوسف -عليه السلام- بتآمر إخوته عليه ليقتلوه وصدق الله العظيم القائل: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيدًا﴾ [الطارق: 15- 17].

فقد أعمى الله بصيرة الدولة من أن تصبر حتى يتبين القضاء فحوى محتويات السيارة الجيب، بل أسكرها الهوى عند ضبط السيارة، فضربت ضربتها التي ظنت أنها قاتلة، ولكن هيهات فإن في مصر رجال وقضاء، حيث وقف رجال النظام الخاص للحكومة بالمرصاد عندما ثبت لهم بما لا يدع مجالا للشك أن الحكومة أصبحت بفعلها هذا من المحاربين للإسلام، وأنه حق على كل مسلم مقاومتها بقوة السلاح كفرض عين، فرضه الله على المسلمين كافة تجاه المحاربين من الكفار وأعوانهم، لا يحتاج أداؤه إلى أمر من قيادة، لأنه صادر من لدن حكيم خبير. بسم الله الرحمن الرحيم ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم ببَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 39- 41].

لم يغن الحكومة شيئا أن تعتقل قادة الإخوان أو تحبسهم في السجون والمعتقلات ولم يغنها شيئًا أن تعزل بينها وبين مرشدهم، الذي دبرت له أمرًا بليل، بل إنها واجهت هي ونظامها أجمع، جهاد الإخوان المسلمين فرادى لا جماعات بما اشتملت عليه صدورهم من عقيدة ربانية عادلة، وكلل الله جهاد هؤلاء الأفراد الشبان بالنجاح، فخر محمود فهمي النقراشي صريعًا في عقر داره، وبين جنده وفي سلطانه، ودون أن يكون لقيادة الإخوان المسلمين في هذا رأي أو توجيه، وتزلزل حكم خلفه عبد الهادي زلزالا شديدًا ولم ينفعه قتله للإمام على قارعة الطريق في شيء، فقد كان الإمام الشهيد في حياته بعيدًا كل البعد عن توجيه الإخوان في نضالهم ضد عدوهم الغادر، لأنه كان أسيرًا تحت نظر سلطات الدولة، التي تباهت خيلاء، بحيازتها له، دون أن تحبسه أو تعتقله، بل أبقته لتلهو به، وكأنه عصفور في قفص، أبقته في داره، ولكنها قطعت خط التليفون الذي يمكن أن يوصله بأي من إخوانه، وسحبت مسدسه المرخص حتى يعجز أن يدافع عن نفسه عندما تنقض عليه كلابها ليقتلوه، واعتقلت شقيقه الضابط عبد الباسط البنا الذي كان يلازمه، ليحميه من العسكر والمخبرين والملازمين لباب داره ليل نهار والمتحركين خلفه بسيارتهم إذا ما تحرك يمينًا أو يسارًا يسعى لإقناع الحكومة بخطئها فيما تتخذه من إجراءات شاذة، ولكن هيهات للحكومة أن تقتنع، فهي لا تتصرف عن عقل أو وعي، ولكنها أسيرة لهوى سادتها من الصهاينة والمستعمرين، وليكن بعد ذلك ما يكون.

ولعل هذا القدر هو الذي شجع الحكومة بعد إيداعها لجميع القيادات في الدعوة العامة السجون والمعتقلات، وبعد عزل المرشد عنها ببقائه تحت الرقابة المشددة في منزله وبعد اطمئنانها للقبض على قيادات النظام، بضربة قدرية ليس لها فيه فضل، ولا لرجال أمنها فيه أدنى جهد، لتضرب ضربتها بحل الإخوان المسلمين في جميع أنحاء القطر قبل مضي ثلاثة أسابيع على هذه الواقعة.

ولعل هذا الوهم الذي سيطر علي محمود فهمي النقراشي باشا بأن رجاله لديهم القدرة المعجزة على ضبط قيادات النظام، لما ذكروه في التحقيقات من أن ذلك جاء بسبب يقظتهم الفائقة وقدراتهم الخارقة، هو الذي جعل محمود فهمي النقراشي لا يستمع إلى نصح وزير الداخلية مرتضى المراغي عندما حذره من حل الجماعة، فقال له وهو يضحك: أعرف ديتها. رصاصة أو رصاصتان في صدري ، ولو كان النقراشي باشا جادًا لا هازلاً ما أقدم أبدًا على حل جماعة الإخوان المسلمين وهو يتوقع هذه النتيجة، وأغلب الظن أنه كان يتوقع أن تمر خيانته بسلام اطمئنانا إلى كفاءة رجاله وقدرات حلفائه من الصهاينة والمستعمرين.

ولكن تدبير الله كان خيرًا من تدبيره فكان وثائق السيارة الجيب دليل براءة الإخوان وإدانة حكومته، ولو لم يرد الله ضبط هذه الوثائق وحفظها من الحريق لانعدمت عند الإخوان وسائل الدفاع لإظهار حقهم وإبطال باطل الحكومة.

المحكمة لا تكتفي ببراءة الإخوان المسلمين بل يعلن أعضاؤها الانضمام إليهم:

إن الإنسان ليسجد شكرًا لله الكريم أن خلقه واحدًا من شعب مصر عندما يشهد الأصالة في دماء أبنائه وهم يجهرون بالحق في وجه الطغاة والمستبدين من الحكام، فور أن يظهر نوره المبين، دون أن يخشوا في ذلك جبروتهم ووحشيتهم.

فقديمًا خر السحرة الذين استدعاهم فرعون من أعماق مصر ساجدين لله معلنين إيمانهم بموسى وربه بعد أن استيقنوا من صدقه، وكفرهم بفرعون وجنده، وقد ثبتت لهم حقيقة ضلالهم وكفرهم، لم يمنعهم من ذلك ما وعدهم به فرعون من أموال وسلطان إن كانوا هم الغالبين، ولم يرهبهم أن يقول لهم فرعون: ﴿آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 49- 51].

وحديثا أعلن قضاة مصر بعد أن استعرضوا الأوراق السرية لقضية السيارة الجيب وثبت لهم بيقين من أعمال الرجال الذين قاموا على تنفيذ ما احتوته عليه هذه الأوراق من أفكار ومبادئ وخطط، أنهم على الحق المبين، هرعوا إلى الانضمام لصفوفهم وقد كانت قوى البطش تستنجد بهم ليخفوا حقيقة ظلمهم وطغيانهم، ويستروا خيانتهم وفجورهم.

وقد علم القاضي والداني بتصريح المستشار محمود عبد اللطيف بك عضو اليمين في هذه المحكمة فور الانتهاء من نظر قضية السيارة الجيب حيث قال: «كنت أحاكمهم فأصبحت واحدًا منهم» كما علم القاصي والداني بتصريح المستشار أحمد كامل بك رئيس هذه المحكمة بطلب التقاعد من خدمة هذه الحكومة الطاغية والانضمام إلى الإخوان المسلمين، وقد نفذ هذا الأخ الكريم ما صرح به فتقاعد فعلا فور الانتهاء من نظر القضية وانضم إلى الإخوان المسلمين واشتغل بالمحاماة في مدينة الإسكندرية، وترافع ضد الحكومة في قضية مقتل الإمام الشهيد.

ولقد عمني البشر ذات يوم، وأنا اشتغل بالتجارة في الشركة التي أسستها مع إخواني مصطفى مشهور وأحمد قدري الحارثي فور خروجنا من السجن وهي الشركة الشرقية للتجارة والهندسة «ايتكو» وكان مقرها شارع شريف باشا في القاهرة في العمارة المشهورة باسم عمارة شوشة المقابلة لوزارة الأوقاف، حين رأيت المستشار أحمد كامل بل يهل علينا زائرًا بالمعرض، ولم يكن له من غرض إلا التعرف علينا عن قرب، مظهرًا إعجابه بما قرأ وعرف من حقائق عن جهود النظام الخاص ورجاله في الدفاع عن مصر خاصة وعن الأمة الإسلامية عامة أثناء دراسته لقضية السيارة الجيب، ومناقشته للمتهمين والشهود، وتعرفه على الحقائق التي عملت الدولة على إخفائها لتستر خيانتها وتخفي استبدادها.

فحمدت الله وأثنيت عليه وقلت إن كان علي الطنبولي التاجر الذي باع السيارة الجيب قد انضم إلى الإخوان رغم ما عاناه من البلاء بالاعتقال معهم ثلاث سنوات، حولتها حلاوة العقيدة وصدق الطوية إلى سنوات هناء، فقد انضم قضاة مصر إلى الإخوان رغم ما عانوه وهم يدرسون قضيتهم من قراءة الصفحات الطوال والاستماع إلى المرافعات والمناقشات المضنية، التي تحولت بفضل الله إلى منعة حقيقية لا يشعرها إلا المؤمنون، والذين يستعذبون الجهد والعناء ما دموا مخلصين في سبيل نصرة الحق والوطن والدين، فنحن نجدهم يشيدون بعد أن أضناهم البحث عن دليل إدانة فلم يجدوا إلا افتراءات لا أساس لها إطلاقًا، يشيدون بشرف الغاية ونبل القصد، وصدق الوعد، وبذل النفيس والغالي في حب الوطن والإسلام، فأعلنوا ذلك كله على الملأ في حكمهم التاريخي ثم أصبحوا بعد ذلك من الإخوان المسلمين. وكان نصر الله للمؤمنين عظيمًا.

السبت، 4 سبتمبر 2010

حقائق فى قضية قتل الخازندار

تناول المسلسل حادثة قتل الخازندار كعادته فى تتبع العثرات والزلات والسقطات وإبرازها والمبالغة فيها وتحميلها ما لا تحتمل، بل وكعادته فى اختلاق أحداث لم تحدث، واستخدام عبارات قريبة من الحقيقة (بعد تغيير بعض ألفاظها التى تغير المعنى تماما) ووضعها فى إطار غير حقيقى يخدم الفكرة الكاذبة التى يحاول الترويج لها، واستخدام كل عناصر الدراما فى إتجاه تأكيد هذا الكذب والبهتان.
وهذا الموضوع لا يمكن الإحاطه به فى مثل هذه المساحة، ولكن من الممكن تسجيل الحقائق التالية (ومراجع الموضوع موجودة للتحقق من التفاصيل):
1- هذه الحادثة كانت خطأ، بل خطيئة ارتكبها النظام الخاص، وكانت حادثة فريدة لم تتكرر في تاريخ الإخوان.
2- لم يكن للأستاذ حسن البنا المرشد العام علم بهذه الحادثة، ولا أذن فيها، ولا أخذ رأيه فيها.
3- وعندما علم حسن البنا كان رد فعله الذي ذكره الأستاذ محمد فريد عبد الخالق، أنه وجده أشد ما يكون غضبا وحنقا، حتى إنه كان يشد شعره من شدة الغضب، وقال له: أرأيت ما فعل إخوانك يا فريد؟ أرأيت هذه الجريمة الحمقاء؟ إني أبني وهو يهدمون، وأصلح وهم يفسدون. ماذا وراء هذه الفعلة النكراء؟ أي مصلحة للدعوة في قتل قاض؟ متى كان القضاة خصومنا؟؟ وكيف يفعلون هذا بدون أمر مني؟ ومن المسؤول عن الجماعة: المرشد العام أم رئيس النظام الخاص؟ هؤلاء سيدمرون الدعوة، إن هذه الرصاصات أطلقت على صدري أنا.
4- الذي تولى كبرها، وحمل تبعتها هو النظام الخاص ورئيسه عبد الرحمن السندي، الذي دبر العملية وخطط لها، وأمر بتنفيذها، ولما سئل: كيف تقوم بمثل هذا العمل، دون أن تأخذ أمرا صريحا من المرشد العام؟ قال: إني سمعت من المرشد ما يفيد جواز قتل هذا القاضي، وإن لم يكن تصريحا. قيل له: وماذا سمعت من المرشد؟ قال: عندما أصدر القاضي الخازندار حكمه على بعض شباب الإخوان في إحدى الحوادث بالحكم سبع سنوات، في حين حكم في قضية أخرى من أخطر القضايا على المتهم بالبراءة، قال: ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله.
قيل له: وهل مثل هذه الكلمة تعطيك فتوى بشرعية قتله، مع أن مقصود الأستاذ: ربنا يريحنا منه بتعيين القضاة العادلين الصالحين، أو بالموت أو بالعزل، وليس بالقتل. فالقتل لا يحل المشكلة قط.
5- قضية النظام الخاص وإنشاءه وأهدافه ومشاكله تحتاج إلى تفاصيل كثيرة ولكن أسوق لحضراتكم جزء من حيثيات الحكم فى قضية السيارة الجيب (ولها تدوينة مستقلة قادمة بمشيئة الله)

قالت المحكمة:

حيث أن الاتهام وقد عزا إلى جماعة الإخوان المسلمين السعي إلى قلب نظام الحكم بالقوة وقال إن الإدارة التي أعدوها لتحقيق هذه الغاية هي جماعة إرهابية دربت وأعدت وسميت بالنظام الخاص.

وهذا الذي صوره الاتهام فيه خلط بين أمرين: الأمر الأول: التدريب على استعمال الأسلحة وحرب العصابات. والأمر الثاني: ذلك الاتجاه الإرهابي الذي انزلق إليه بعض المتطرفين من أفراد تلك الجماعة، وكان من أثر هذا النظر أن انتهى الاتهام إلى القول بأن النظام الخاص بجملته نظام إرهابي.

وحيث أن المحكمة ترى التفرقة بين الأمرين، فالنظام الخاص يرمي إلى إعداد فريق كبير من الشباب إعدادًا عسكريا تطبيقًا لما دعى إليه مؤسس هذه الجماعة في رسائله المتعددة من أن الأمر أصبح جدًا لا هزلاً، وأن الخطب والأقوال ما عادت تجدي، وأنه لا بد من الجمع بين الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل وأن حركة الإخوان تمر بثلاثة مراحل: الأولى مرحلة التعريف بنشر الفكرة، والثانية مرحلة التكوين لاستخلاص العناصر الصالحة لأعباء الجهاد، ونظام الدعوة في هذا الطور مدني من الناحية الروحية وعسكري من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين دائمًا أمر وطاعة من غير بحث ولا مراجعة، والمرحلة الثالثة مرحلة التنفيذ وهذا الإعداد دائما قصد به تحقيق ما ورد صريحًا في قانون الجماعة من أن من بين أهدافها تحرير وادي النيل والبلاد الإسلامية، وهذا النظام الخاص بحكم هذا التكوين لا يدعو إلى الجريمة ولا يعيبه أن فريقًا من أفراده كونوا من أنفسهم جماعة اتفقوا على أعمال القتل والتدمير.

6- إذا كان من المقبول عبارة "الأخوان قتلوا الخازندار" فإنه يكون من المقبول أيضا عبارات مثل "أمن الدولة قتلت سوزان تميم"!!! أو "الجيش المصري قتل السادات" !!! أو أن "المسلمين قتلوا الآلاف فى 11 سبتمبر"!!

للمزيد يمكنكم قراءة العديد من الكتب التى تحدثت عن هذه الفترة وسأنشرها مع روابط لها بمشيئة الله قريبا


الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

الكذاب يتمادى ويخترع تاريخ على مزاجه

ويستمر كذاب مسلسل الجماعة فى جريمة تزوير التاريخ ببجاحة منقطعة النظير فيخرج علينا فى الحلقة الثالثة والعشرين بثلاث كذبات فاضحة أولها أن الإخوان يدعون أنهم جماعة المسلمين والخارج عليهم خارج على الإسلام!!! والكذبة الثانية ماحدث فى انتخابات 1944 أثناء وزارة أحمد ماهر فيخترع قصص وحكايات غير موجودة فى أي مصدر على وجه الأرض ثم يختم بجريمة لم يسبقه لها أحد وهى أن الإخوان هم من قتلوا أحمد ماهر!!! (طيب النقراشي والخازندار سمعنا عنهم قبل كده!! إنما أحمد ماهر كمان!!! يا مفترى)، هذا غير السم الزعاف فى رسم ملامح شخصية حسن البنا الذي نكتشف فى كل حلقة المزيد من الصفات السلبية والدنيئة التى يحاول هذا الكذاب ببجاحة إلصاقها به.
وطبعا موضوع جماعة المسلمين ده لا يستحق الرد لأنه لا يوجد إلا فى خيالات المتحاملين والجهلة بالإخوان، فقراءة بسيطة فى أي من أدبيات الإخوان تكشف بطلان هذا الإدعاء الكاذب، وتفاصيل انتخابات 1944 موجودة فى العديد من المصادر، نقلت لكم من كتاب أحداث صنعت التاريخ من شهود العيان، وطبعا موضوع قتل أحمد ماهر الذي سيأتي فى الحلقة الخامسة والعشرين إختراع هذا الكذاب سأنقل ما كتب عنه نفس المصدر السابق

محاولة أخري لدخول مجلس النواب :

كان ذلك في أواخر عام 1944 بعد أن استطاع الملك إقالة وزارة الوفد معتمدًا علي ما قدمته له هذه الوزارة من أسلحة بما تورطت فيه من أخطاء مست صميم الشعب في قوته من المأكل والملبس وأقبلت الوزارة وحل مجلس نوابها كالمعتاد ، وأعلن عن انتخابات جديدة لمجلس نواب جديدة ، وقرن هذا الإعلان كالمعتاد أيضًا بالطعن في نزاهة الانتخابات السابقة ، وبأن الانتخابات القادمة ستكون حرة مائة في المائة . وقرر الإخوان دخول هذه الانتخابات بترشيح الأستاذ المرشد في دائرة الإسماعيلية وترشيح عدد آخر من الإخوان في دوائر مختلفة .

كان هناك حرص شديد من الدولة الجديدة علي إبراز هذه الانتخابات في صورة مغايرة لتلك التي كانت عليها انتخابات حكومة 4 فبراير سنة 1942 التي كان من أبرز ما عرف عنها وشوه صورتها منع الأستاذ المرشد العام للإخوان المسلمين من ترشيح نفسه وإرغامه علي سحب هذا الترشيح ،وكان لهذا المنع ضجة في جميع أنحاء البلاد .. ولكن أسلوبًا آخر في الخفاء ومن وراء الكواليس كان يجري حسب مشيئة السادة المستعمرين :- في رسالة بعث بها الصاغ محمود لبيب رحمه الله إلي جريدة المصري في سبتمبر سنة 1950 جاء فيها ما يلي :-

" في وزارة أحمد ماهر باشا أراد المرشد العام أن يرشح نفسه ، فعلمت أنا من أحد أصدقائي أن خطابًا أرسل من السفارة البريطانية إلي أحمد ماهر باشا يطلب فيه منه أن يعمل علي منع المرشد العام والأستاذ البرير (كان من كبار السودانيين الأحرار المقيمين بمصر المؤمنين بوحدة وادي النيل) المرشح في دائرة عابدين من التقدم للانتخابات ... فأسرعت إلي فضيلة المرشد فأبلغته ذلك فضحك واستبعد هذه الفكرة . وفي اليوم التالي طلبه أحمد ماهر باشا لمقابلته فلما قابله طلب منه أن يسحب ترشيحه .. وحاول أن يقنعه فرفض . فقال له : لماذا تتشدد معي وقد قبلت مثل هذا من حكومة النحاس باشا وتنازلت عن ترشيحك ؟ .

فرد عليه بقوله : إن حكومة النحاس باشا كانت تواجه حالة سياسية مضطربة في الداخل والخارج ولم يكن هناك بد – إجابة لداعي الوطنية الكريمة – من أن نقبل منها هذا ؛ إذ كانت الحالة تدعو إلي توحيد الجهود لا إلي توزيعها لوجود الأعداء داخل الأراضي المصرية . يقول الصاغ محمود لبيب : وقد قابلت بعد ذلك علي البرير بك فقال لي إن أحمد ماهر باشا طلب هو الآخر وأطلعه بالفعل علي خطاب السفارة الانجليزية . فلما ووجه القصر ممثلا في هذه الأحزاب بإصرار الإخوان علي ترشيح مرشدهم في الانتخابات وجدوا أنفسهم أمام أمرين أحلاهما مر : ففتح الطريق أمام حسن البنا إلي مجلس النواب كارثة حيث نجاحه في هذه الدائرة أمر لا شك فيه .. كما أن منعه من الترشيح يهدم صرح الدعاية الذي شيدوه علي أساس من الحرية المطلقة التي ادعوا أنهم مما جاءوا ليردوا إلي الشعب ما حرمه الوفد منها .

وظلوا في حيرة من أمرهم حتى اهتدوا إلي الحل الأمثل الذي علمنا أخيرًا أنه إنما جاءهم من عند واضعي أدوار التمثيلية والذين اختاروا ممثليها والذين تكلفوا بإخراجها إلي الجمهور ، وتبين لنا أن واضع الرواية ومخرجها قد تضطره الظروف إلي القيام بنفسه بدور البطولة فيها وإلا فشلت التمثيلية ولم تحقق هدفها .. واتضح أن واضعي التمثيلية وموزعي أدوارها هم المستعمرين الانجليز . وبدا للجمهور علي المسرح أن ترشيح المرشد العام لا يلقي أي اعتراض من الحكومة ونظرًا لما جبل عليه الإخوان من حسن الظن وسلامة الطوية اعتقدوا أن هؤلاء الناس قد راجعوا ضمائرهم ورغبوا في تحسين علاقاتهم بالإخوان والسير في ركب المواطنين الصالحين .

مفاجـأة :

لم يبذل الإخوان أي جهد في الدعاية للمرشد العام في دائرته – كدأب ما يبذل للمرشحين في دوائرهم – لأن أهل الإسماعيلية بعثوا إلي القاهرة بوفود تمثلهم لتقديم شكرهم إلي الأستاذ المرشد العام أن آثرهم علي جميع دوائر القطر بترشيح نفسه في دائرتهم مع أن جميع الدوائر كانت تتمني أن تحظي بترشيحه فيها .. وتكفل أهل الإسماعيلية بدفع التأمين من جيوبهم . ولما جاء يوم الانتخاب فوجئ أهل الإسماعيلية بتدخل الجيش البريطاني في الانتخابات بأن أحضروا أعدادًا كبيرة من العمال الذين يعملون فيه في سيارات وأدي هؤلاء العمال الانتخاب بتذاكر مزورة بأسماء ناخبين أهل الإسماعيلية وهؤلاء جميعًا ينتخبون المرشحين الآخرين . واحتج أهل الإسماعيلية وأهملت السلطات احتجاجاتهم وانتهي يوم الانتخابات . وظهرت نتائج الانتخابات وكانت نتيجة دائرة الإسماعيلية إعادة بين الأستاذ المرشد وبين مرشح آخر .

هنا بدأ الإخوان يفهمون الوضع علي حقيقته حيث بان الخفي ووضح الأمر ، وتبين أن الانجليز تعزيزًا لمركز حكومة السعديين التي يريدونها ، وافقوا علي أن تظهر هذه الحكومة أمام الشعب بمظهر الموافق علي ترشيح المرشد العام علي أن يتكلفوا هم – أي الانجليز – بإسقاطه ويكون ذلك بالطريقة الآتية :

أن يرشحوا ضده أكثر من واحد من المقاولين الذين يعملون معهم في الجيش ... ونظرًا لتوزع قوة الحكومة في جميع دوائر القطر لحفظ الأمن فسيكون جهد الجيش الانجليزي مع قوة الأمن العادية في الإسماعيلية قاصرًا علي عدم إعطاء المرشد العام أغلبية مطلقة من الأصوات ... فيعاد الانتخاب بينه وبين أحد المرشحين الآخرين ، وهنا في الإعادة تتاح الفرصة لحشد أكبر قوة ممكنة من قوات بوليس الحكومة المصرية للتعاون مع الجيش البريطاني تعاونا يكفي لإسقاطه . وينبغي أن يكون معروفًا أن حكمدار – مدير الأمن – في محافظة القنال كان في ذلك الوقت انجليزيًا ،وأن شركة قنال السويس كان مقرها الإسماعيلية ، وأن قيادة جيش الاحتلال البريطاني كان مقرها الإسماعيلية ،وأن عشرات الآلاف من العمال المصريين الذين يعملون في الجيش البريطاني قد أتوا من مختلف بلاد القطر وأكثرهم من الصعيد ،وكان العامل يتقاضي من الجيش البريطاني أجرًا يعادل ضعفي ما يتقاضاه علي نفس العمل في أي مكان في البلاد .

معركة الإعـادة :

من التجاوز في التعبير أن تسمي ما حدث في الإسماعيلية في ذلك الوقت معركة الإعادة أو معركة الانتخابات ؛ فإن الذي حدث كان حربًا أعلنتها الحكومة المصرية متضامنة مع الجيش البريطاني ضد أهل مدينة الإسماعيلية . لقد سافرت إلي الإسماعيلية ضمن عدة مئات من الإخوان من مختلف أنحاء البلاد لنشهد هذه المعركة التي توقعنا أنها ستكون معركة حامية ، لكن الذي رأيناه قد فاق كل ما خطر ببالنا ، ولولا أننا شهدنا بأعيننا لما صدقنا أن يحدث هذا الذي حدث .. وشاء الله أن تكون أكثر بلاد القطر ممثلة لتري بعينها الجريمة التي لم يحدث لها مثيل من قبل ولا أعتقد أن يحدث مثلها من بعد حتى تكون كل البلاد في مصر علي علم بما حدث . ولكي يكون القارئ في مخيلته صورة مصغرة لما حدث فسأضع تحت ناظريه بعض مناظر من أحداث ذلك اليوم .

المنظر الأول : خرج أهل الإسماعيلية منذ الصباح الباكر متجهين إلي أماكن اللجان الموزعة في أنحاء الدائرة ليدلوا بأصواتهم ،ومع كل منهم تذكرته الانتخابية ، فوجدوا أمام مدخل كل لجنة سيارة ضخمة من سيارات نقل الجيش البريطاني تغلق هذا المدخل وتحول بين الناخبين وبين الدخول إلي اللجنة .

المنظر الثاني : كثر عدد الناخبين بمرور الوقت أمام مقار اللجان ، ولما طال انتظارهم ولم تتحرك السيارات المعترضة ، حاولوا اقتحام السيارات للدخول فإذا بقوات ضخمة من بوليس القنال والبوليس المستقدم من القاهرة ومن جهات أخري تعترض طريقهم وفي أيديهم الأسلحة والهراوات .

المنظر الثالث : يلجأ الناخبون إلي الأستاذ المرشد يشكون إليه فيتصل بالمحافظ فيطمئنه المحافظ ولكنه لا يعمل شيئًا فيلجأ إلي الحكمدار الانجليزي فيتز باتريك فيرد عليه بأن عنده تعليمات من الجهات العليا ينفذها .

المنظر الرابع : القوات الضخمة من البوليس فجأة تهاجم الناخبين المحتشدين أمام مقار اللجان وتعمل فيهم هراواتهم وتهددهم بأسلحتهم حتى تبعد بهم بعض الشيء عن مقار اللجان . ثم تطوقهم تطويقًا محكمًا . وهنا تري ناقلات ضخمة من ناقلات الجيش البريطاني قادمة وهي محملة بعمال الجيش البريطاني ، وفي سرعة جنونية تتجه إلي مقار اللجان ، وتكون السيارات المعترضة للمداخل قد أفسحت الطريق فتدخل هذه السيارة حتى باب المبني الذي به لجنة الانتخابات ، وتلصق مؤخرتها بالباب وتفرغ حمولتها من العمال فيدخل كل منهم ويقدم للجنة تذكرة باسم ناخب من ناخبي اللجنة ، ورئيس اللجنة وأعضاؤها يعلمون أن أحدًا من هؤلاء العمال لا يحمل بطاقة انتخابية باسمه بل ليس منهم من يعرف الاسم المكتوب في البطاقة التي يقدمها ،وكل ما لقنه هؤلاء العمال هو أن ينتخبوا الاسم الذي حفظوه وهو اسم المرشح المنافس للأستاذ المرشد .

المنظر الخامس : بعد أن تفرغ السيارة حمولتها تظل في وضعها حتى تؤدي الحمولة المهمة المكلفة بها ثم ترجع الحمولة إلي مكانها في السيارات حتى إذا امتلأ رتل السيارات التي جاءت معًا ينطلق الرتل دفعة واحدة خارج مقر الدائرة وفي سرعة جنونية بين صفوف جنود البوليس حتى تختفي عن الأنظار داخل المعسكرات البريطانية ؛ وبعد قليل يأتي رتل آخر ويمثل الدور نفسه .

المنظر السادس : يدخل الأستاذ المرشد مقر إحدى اللجان ويضبط بنفسه أمام أعضاء اللجنة مائة تذكرة انتخابية مزورة يحملها غير أصحابها من هؤلاء العمال ، ويقدمها لوكيل النيابة فلا يتخذ وكيل النيابة أي إجراء سوي أنه يتسلم التذاكر قائلا إنه سيجري تحقيقًا دون أن يفعل شيئًا .

المنظر السابع : أمام هذه المهازل وهذا الإجرام لم نتمالك نحن – الإخوان الزائرين – أعصابنا فوجدنا أنفسنا نهاجم سيارات الجيش البريطاني المحملة بالعمال ونحاول منعها من دخول اللجان ، فإذا بقوات البوليس تهاجمنا بقيادة فبتز باتريك الحكمدار ، وقد رأيت هذا الحكمدار الانجليزي يأمر الجنود بحملنا في سيارات نقل جاءوا بها وحملت أنا شخصيًا مع مجموعة من الإخوان إلي إحدى هذه السيارات وسط مناقشات حادة بيننا وبين هذا الحكمدار . وبعد أن دخل رتل السيارات القادم من المعسكرات البريطانية والذي كنا نهاجمه إلي مقار اللجان أمر هذا الحكمدار بإطلاق سراحنا .

المنظر الثامن : عند انتصاف النهار ، قرر الإخوان أن يقوموا بعمل عنيف قد يؤدي إلي وقوع ضحايا من الجانبين ، ويبلغ ذلك مسامع الأستاذ المرشد فيحضر حيث يجتمع الإخوان وينهي إليهم رأيه بعدم موافقته علي هذا الإجراء ويقول : إن دماء الإخوان أعز عليه من أن تسفك في سبيل معركة مهما بلغنا في أهميتها فإنها لا تعدو أن تكون معركة جانبية .

ولكن أهمية هذه المعركة الجانبية أنها كشفت لنا بوضوح حقيقة الاستعمار الذي يجثم علي صدر بلادنا وحقيقة ساستنا الذين يتظاهرون أمام الشعب بالوطنية وهم في السر قد تعاقدوا مع الانجليز علي أن يكونوا مطايا لهم وتعالا في أقدامهم يدهسون بها رقاب الشعب المسكين . وينقضي هذا اليوم الأخير ... وتعلن نتيجة الانتخابات بسقوط المرشد العام في الدائرة التي يعلم كل مصري وكل عربي بل ويعلم العالم كله أن هذه الدائرة هي عقر داره ، وأن رجالها ونساءها وأطفالها لا يهتفون إلا باسمه ويؤثرونه علي آبائهم وأمهاتهم .

موقف مسرحي للانجليز :

بدت إقالة الملك لوزارة الوفد يوم إقالتها وكأنها انتصار الملك ... لا لأنه أقال وزارة وفدية – فقد أقال من قبل وزارات وفدية – وإنما لأن وزارة الوفد التي أقالها هذه المرة كانت مؤيدة تأييدًا سافرًا من الانجليز ، ولازال اقتحام الدبابات البريطانية سور قصر عابدين لإرغام الملك علي استدعاء النحاس للحكم ماثلا في الأذهان ... فكأن الملك وقد تمكن من إقالة هذه الوزارة قد انتصر علي الانجليز وتغلبت إرادته علي إرادتهم ... ويبدو أن الانجليز كانوا راغبين في إيهام الشعب بهذا المعني فتظاهروا بأنهم غلبوا علي أمرهم ... وتركوا وسائل إعلامنا تبرز هذا المعني أيضًا حتى استقر ذلك في نفوس الشعب . وقد استطاع الانجليز – بهذا الموقف المسرحي – تحقيق الأهداف التالية :

الهدف الأول : أنهم حطموا الوفد باعتباره الهيئة الشعبية المسيطرة ، فقد دخل الوفد الحكم وله في نفوس الشعب الحب والإعزاز . وغادره فاقدًا هذا الحب والإعزاز وحل محلهما البغض والمرارة حيث عانوا في ظل حكمه شظف العيش وقسوة الحياة نتيجة ندوة مواد المعيشة ، واستيلاء الجيش البريطاني علي أطيابها ثم تسلط أتباع الوفد من كبار الموظفين والتجار علي البقية الباقية من هذه المواد بالسلب والنهب والاستغلال .. وهو الهدف الذي أشرنا إليه من قبل عند مناقشتنا لحادث 4 فبراير سنة 1942 ... ولا يخفي أن الطريقة السافرة التي اختارها الانجليز في 4 فبراير لتمكين الوفد من الحكم هي في حد ذاتها قد زلزلت ثقة الكثيرين في الوفد – لكن ما ارتكبه الوفد من أخطاء في أثناء حكمه قد أتت علي البقية الباقية له في النفوس ... وربما كان إحساس الوفد بنجاح سياسة الانجليز في إفقاده ثقة الشعب هو الذي دفعه بعد ذلك إلي تغيير سياسته التقليدية في معاداة الملك وإبدالها بسياسة التزلف إليه والتملق له .

والهدف الثاني : أنهم رغبوا في إنساء الشعب مرارة ما استقر في نفوسهم من آثار الاعتداء والصلف وامتهان الكرامة فيما اتخذوه من إجراء يوم 4 فبراير سنة 1942 .. وقد رأوا أن ظهورهم بمظهر المستكين المغلوب علي أمره أمام السلطة الشرعية الممثلة في الملك مسحًا لهذه الوزارة أو تخفيفًا منها علي الأقل . ويبدو أن هدف الانجليز في هذا الصدد قد تحقق إلي حد كبير ، فقد كنت تسمع من الكثيرين في مختلف الأوساط يوم إقالة وزارة الوفد كلامًا فيه معني الشماتة في الانجليز .

والهدف الثالث : أنهم أرادوا أن يهيئوا جوًا يجعل الشعب علي شوق لاستقبال الوزارة القادمة استقبال الأبطال المتقدمين ، الذين جاءوا رغم أنف الانجليز ليمسحوا عار يوم 4 فبراير سنة 1942 وليردوا للشعب كرامته وشخصيته .

وهذا ما تحقق فعلا كذلك ؛ فقد بدأ للناس كأنما استرد الملك كرامة الشعب في شخصه ، كما بدالهم كأنما جاء الملك متحديًا سلطة الانجليز بالرجال الذين هم أعداء الانجليز ، بدليل أن الانجليز يوم 4 فبراير سنة 1942 قرروا إبعادهم عن الحكم ... إذن فمرحبًا بهم رغم أنف الانجليز ... وتظاهر هؤلاء الرجال بأنهم جاءوا إلي الحكم لإنقاذ الحرية رغم أنف الانجليز .


انكشاف المؤامرة بين الانجليز والسعديين :

خدع الشعب تمامًا أمام مكر الانجليز ونفاق السعديين ... والشعب معذور في أن يخدع فقد أحكم الانجليز خططهم ، واستطاع الملك وأنصاره السعديين أن يتقنوا تمثيل الدور الذي رشحهم الانجليز لأدائه ، ولم يكن الشعب يعلم شيئًا عما كان يدور خلف الكواليس قبل أن تفتح أمامه الستارة ليري علي المسرح هؤلاء الرجال وعلي رأسهم الملك وقد ظهروا وبأيديهم سيوف تقطر دمًا مدعين أنه دم الانجليز المعتدين . ولم يفطن الشعب إلي أن ما رآه علي المسرح لم يكن إلا خدعة كما هو ضحيتها ، ولم يبدأ يسترد وعيه شيئًا فشيئًا ، ويفهم ما كان يدور خلف الكواليس إلا بعد أن صدمته فاجعتان .

أولاهما : انتخابات الإسماعيلية وما أثبتته من أن تسلط الانجليز وتبجحهم يوم 4 فبراير سنة 1942 لم يكن أوقح ما عندهم إذ أنهم كانوا في انتخابات الإسماعيلية أكثر تسلطًا وأشد وقاحة وتبجحًا . ففي يوم 4 فبراير سنة 1942 لم يجدوا معاضدة في عدوانهم من السلطة الحكومية ممثلة في بوليسها ورجال إدارتها ، أما في الإسماعيلية فقد وجد العدوان الانجليزي من بوليس الحكومة المصرية ورجال إدارتها ورئيس حكومتها عونًا بل خدمًا يحمون عدوانه ، ويتهافتون علي نيل الخطوة لديه ... في 4 فبراير كان عدوان الحكومة البريطانية موجها إلي الملك وإلي حفنة وراءه من صنائعه البشوات سدته شهواته وخدام نزواته ، ومطلب الانجليز كان استدعاء الحزب الشعبي للحكم أي أنه كان مطلبًا في ظاهره علي الأقل في جانب الشعب ... أما في الإسماعيلية فقد كان عدوان الانجليز مؤيدًا بالملك وصنائعه السعديين ، موجها توجيهًا مباشرًا ضد الشعب نفسه ... مما لم يدع للشعب مندوحة للتعليل أو للتأويل أو لحسن الظن في أن هذه المظاهرة التي قام الملك بتدبيرها مع أذنابه للسعديين لم تكن إلا خدعة للشعب ، واستخفافًا بعقليته ، واستهتارًا بفهمه ووعيه ... ولم يدع عند الشعب أدني شك في أن هذه الوزارة السعدية وعلي رأسها الملك ليست إلا طليعة حقيرة للانجليز .

ومن سوء حظ الانجليز وأذنابهم أنهم ظنوا أن معركة انتخابات الإسماعيلية لن تكون أكثر من معركة في دائرة من ثلاثمائة دائرة أو نحوها لن يشعر بما يدور فيها إلا أهل المنطقة .. ولم يدر بخلدهم أن جميع دوائر القطر ستكون ممثلة يوم الانتخابات في هذه الدائرة ، وأن هؤلاء الممثلين سيرجعون في اليوم التالي إلي بلادهم ويروون لأهل هذه البلاد ما شاهدوه بأعينهم من مآس واعتداء وإجرام . وهكذا استيقظ الشعب المصري في اليوم التالي علي فهم جديد ، ووعي جديد ، ونظرة جديدة إلي الناس وإلي الأمور وإلي الحكومة التي جاءت إلي الحكم باسم حكومة التحرير والإنقاذ ، تحرير الشعب من ديكتاتورية الوفد ، وإنقاذ شرف البلاد وصمة 4 فبراير سنة 1942 .

أما ثانية الفاجعتين التي استيقظ الشعب علي دويها فهي حيرته لم سحب الانجليز تأييدهم لحكومة الوفد التي ضحوا في 4 فبراير سنة 1942 بجانب كبير من سمعتهم في سبيل إسناد الحكم إليها ، ثم نقلوا تأييدهم إلي الجانب الآخر الذي داسوه بأقدامهم في ذلك اليوم ؟ ...

ظلت الحيرة مستبدة بأفكار الشعب ، لا يجدون لها تعليلا ، حتى استقرت الأمور لهذه الحكومة ، وحظيت بمجلس نواب صنعته بيديها بالمواصفات التي حددها الانجليز ، حينئذ انطلقت القنبلة التي أفاق علي دويها الشعب من حيرته ، حيث استبان له ما كان ملتبسًا عليه ، وظهر له ما كان مستورًا عنه وتكشف السر الذي كان في طي الكتمان بين السعديين وبين الانجليز وكان ذلك حين أعلنت الوزارة السعدية برياسة أحمد ماهر الحرب علي المحور (ألمانيا وإيطاليا) . وقد سبقت الإشارة من قبل إلي أن الانجليز منذ أعلنوا الحرب علي ألمانيا سنة 1939 وهم يلحون علي الحكومات المصرية المتعاقبة أن تعلن الحرب علي ألمانيا تنفيذ البنود معاهدة سنة 1936 فقد ألحوا في ذلك علي وزارات علي ماهر وحسن صبري وحسين سري ولكن ما كانت هذه الحكومات تري أن لا مصلحة مطلقا في إعلان الحرب علي دول لم تمسنا بأي نوع من أنواع الاعتداء ، فإنهم جميعًا أصروا علي رفض هذا الطلب حتى صار رفضه سياسة عامة للدولة يقف وراءها الشعب كله بجميع أحزابه وطوائفه .

حتى وزارة الوفد التي جاء بها الانجليز في 4 فبراير سنة 1942 عجز الانجليز عن إخراجها في اتخاذ هذا القرار .. ويبدو أن هذا كان هو السر الحقيقي وراء تخلي الانجليز عن تأييدها آخر الأمر لاسيما بعد أن عقدوا في الخفاء الصفقة مع السعديين . وجاء أحمد ماهر مطمئنًا إلي تأييد الانجليز ، متحديًا إرادة الشعب التي أجمع عليها بكل طوائفه متجاهلا شعوره وعواطفه ، وأعلن الحرب علي المحور ، ظنًا منه أن تأييد الانجليز يحميه من غضب الشعب ، ولكن غضب الشعب كان أقوي مما يظن ؛ إذ قام شاب فدائي من غمار هذا الشعب الغاضب اسمه محمود العيسوي يعمل محاميًا فأفرغ فيه طلقات أردته قتيلاً ، ولما سئل محمود العيسوي في التحقيق عن الدافع الذي دفعه إلي قتل أحمد ماهر قال بصريح العبارة : إعلانه الحرب علي المحور وما قد يجره ذلك علي البلاد من دمار في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل .



الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

ترشيح المرشد العام لمجلس النواب من كتاب أحداث صنعت التاريخ

ترشيح المرشد العام لمجلس النواب سنة 1942 :

ومن المسلم به أن أية دعوة ذات أهداف نبيلة وبرامج إصلاحية تريد تحقيق هذه الأهداف والبرامج ينبغي أن يكون من وسائلها إلي ذلك العمل علي الوصول بأعضائها إلي مقاعد المجالس التشريعية ، ولا يتأتي ذلك إلا بخوض المعارك الانتخابية ... ومن بدائه الأمور أنه كلما كان عدد النواب لهيئة من الهيئات أكثر كان تحقيق آمالها أيسر ؛ ولكن الإخوان كانوا يعتقدون أن حصولهم علي مقعد واحد في مجلس النواب كفيل بأن يؤثر في هذا المجلس أبلغ التأثير إذا كان صاحب هذا المقعد هو حسن البنا ؛ ذلك أن لديه من قوة الشخصية والقدرة علي الإقناع مع ما يتمتع به من روحانية فياضة وبلاغة آسرة ما يشد إليه الأسماع والعيون والعقول والقلوب ، وما يفعل في السامعين فعل السحر ... وقد استطاع بهذه المواهب النادرة أن يجمع حوله من الأنصار الذين يفتدون دعوته بأموالهم ودمائهم مئات الألوف في أنحاء مصر وغير مصر من الدول العربية والإسلامية .

لهذا اتخذ الإخوان قرارًا بترشيح المرشد العام عن دائرة الإسماعيلية في الانتخابات التي أعلنت حكومة الوفد إجراءها سنة 1942 ... وإذا كان أعظم المرشحين لم يكن لتقدمه للترشيح من صدي إلا في دائرته التي ينتمي إليها ، فإن تقدم حسن البنا للترشيح كان له صدي يتردد في جميع محافظات القطر ومراكزه وحواضره وقراه بل وقد تعدي ذلك الصدى إلي خارج مصر ؛ ذلك أن في كل مكان من هذه الأماكن رجالا ونساء يعقدون الآمال للعريضة علي هذا الترشيح . وينبغي أن يكون مفهومًا أن ترشيح حسن البنا في دائرة الإسماعيلية ليس له إلا معني واحد هو أنه من قبل أن تجري انتخابات قد صار عضوا بمجلس النواب مهما نافسه في الترشيح مائة مرشح منهم رئيس الحكومة نفسها ، ذلك أن أهالي هذه الدائرة وعن بكرة أبيهم رجالا ونساء وأطفالا يعتبرون ترشيح حسن البنا عندهم شرفًا لا يعادله شرف ، وأن انتخابهم إياه فريضة من فرائض الدين وقربة من أعظم القربات إلي الله عز وجل . وهذه الحقيقة التي يعرفها أهل الإسماعيلية ويعرفها الإخوان في كل مكان ؛ ويعرفها الانجليز أيضًا ،وإن كان يجهلها – حتى ذلك الوقت – فئات أخري منهم حكام مصر ورجال الأحزاب المصرية الذين لم يستطيعوا أن يفهموا عن الإخوان المسلمين أكثر من أنهم جماعة تدعو إلي الدين الذي لا يخرج في تصورهم عن كونه طقوسًا وعبادات ومحاربة للمنكرات بالوعظ والإرشاد ... بالرغم مما يبذله الإخوان من جهود لتوضيح فكرتهم عن الإسلام باعتباره دينًا ودولة ، وعقيدة وشريعة ، وبرنامجًا إصلاحيًا شاملا لجميع شئون الحياة .

تقدم الأستاذ المرشد يطلب الترشيح إلي وزارة الداخلية كالمعتاد ... فما الذي حدث ؟... بعد أيام قلائل جاء ه رسول من قبل مصطفي النحاس باشا رئيس الحكومة يدعوه لمقابلته .... وسأنقل هنا نص ما جاء في تقرير الأمن العام عن هذه المقابلة وعن هذا الموضوع عامة وقد نشره في جريدة الأهرام في 14-2-75 الدكتور عبد العظيم رمضان مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة طنطا ضمن وثائق نشرها ، قال التقرير :

" لم يكد يذاع خبر ترشيح الأستاذ حسن البنا ويدفع التأمين إلا واتصل به حضرة عبد الواحد الوكيل بك صهر حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا ، وتكلم معه في موقف الإخوان المسلمين ، وطلب منه الرجوع إلي رفعة النحاس باشا ، وتكلم معه في موقف الإخوان المسلمين ، وطلب منه الرجوع إلي رفعة النحاس باشا لكي يكون رفعته علي بينة من أمرهم لأن رفعته لديه فكرة غامضة عنهم . وبعد بضعة أيام تلقي دعوة بمقابلة رفعة النحاس باشا ، وتمت المقابلة بفندق مينا هاوس ، وقد طلب منه رفعة النحاس باشا أن يتناول عن الترشيح . وصارحه رفعته أنه يطلب ذلك إيثارًا للمصلحة العامة ولمصلحته (أي مصلحة الأستاذ البنا) إن كان يريد الإبقاء علي جماعات الإخوان المسلمين في مختلف البلدان ، فرفض ذلك وقال إنه يستعمل حقاً من حقوقه الدستورية ولا يري ما يمنعه من الترشيح ، وإن كان هناك موانع فإنه يطلب بيانها لكي يتبين مبلغها من الصحة ، وفضلا عن ذلك فإن قرار الترشيح صدر من هيئة المكتب العام لجماعة الإخوان ، وأنه شخصيًا لا يملك الرجوع في ذلك .

فرجاه رفعة النحاس باشا أن يعمل علي إقناع الأعضاء بالعدول عن ذلك ، وأن رفعته رأي أن يدعوه لينصح له بالتنازل وإلا اضطر إلي اتخاذ إجراءات أخري يراها رفعته قاسية ، ولا يرتاح إليها ضميره ، ولكنه حرصا منه علي مصلحة البلد مضطر إلي تنفيذها . ولما استوضحه تلك الإجراءات قال رفعته إنها حل جماعات الإخوان المسلمين وتلقي زعمائها خارج القطر ؛ وتلك هي رغبة هؤلاء الناس (يقصد الانجليز) الذين بيدهم الأمر يصرفونه كما يرون ، ونحن مضطرون إلي مجاملتهم خصوصًا في هذه المسائل الفرعية ، وفي هذه الظروف العصيبة ، لأنهم يقدرون علي كل شيء ، وفي استطاعتهم إن شاءوا أن يدمروا البلد في ساعتين .

وقد ترك رفعته فرصة للتفكير في الأمر ، وأن تتم مقابلة أخري في هذا الشأن ، وقد عرض الأمر علي هيئة مكتب الإرشاد فلم توافق الأغلبية علي التنازل ، ولكنه هو شخصيًا وافق عليه لا خوفاً من النفي ولكن حرصًا علي قيام الجماعة واستمرارها في تنفيذ أغراضها . وأخيرًا أستقر الرأي علي التنازل ، وتوجه مرة أخري لمقابلة رفعة الرئيس بوساطة سليم بك زكي الذي بسط لرفعته دعوة الإخوان ومدي انتشارها في المدن والأقاليم ، فانتهز هذه الفرصة وطلب من رفعته ضمانات بقيام الجمعية وفروعها . وعدم الوقوف في سبيلها وعدم مراقبتها والتضييق علي أعضائها للحد من نشاطهم فوعده رفعته بما طلب " .

وقد أوردت ما جاء بتقرير الأمن العام عن هذه المقابلات لأنه هو فعلا نص ما حدثنا به الأستاذ المرشد عقب رجوعه من كل من المقابلتين ، فقد كنا في ذلك الوقت في المركز العام ننتظر رجوعه علي أحر من الجمر لأن موضوع الترشيح كان أمرًا جوهريًا بالنسبة لنا ولجميع الإخوان في أنحاء البلاد ، ولهذا فإنه رأي بعد أن قص علينا ما حدث أن ننتقل إلي الإسكندرية وطنطا وغيرها من العواصم ليقصه عليهم حتى يكون الجميع علي صورة واضحة من الموضوع . وموقف الأستاذ المرشد في هذا الموضوع كان أحد المواقف القليلة التي جاء رأيه النهائي فيها صدمة لمشاعر الإخوان وعواطفهم ، فما من أحد من أنحاء البلاد إلا وشعر بهذه الصدمة التي تمثلت لنا في صورة فرصة أفلتت منا بإرادتنا ولو أننا تمسكنا بها لأفادت الدعوة منها أعظم فائدة . ولم يسلم الإخوان للأستاذ المرشد بما طلبه إليهم ، ولم ينزلوا علي رأيه إلا للثقة التي لا حدود لها فيه ، وللاطمئنان الكامل إلي إخلاصه ومقدرته وبعد نظره وحسن تدبيره للأمور .

وتقريرًا للواقع أقول إن هذا الموقف الذي وقفه الأستاذ في هذا الموضوع – وإن كان قد جرعنا في أوله بعض المرارة – إلا أنه عاد علي الدعوة بما لا حصر له من الفوائد ، وحسب القارئ أن يعلم من قوة الإخوان المسلمين في ظل هذا الموقف وفي خلال أربع سنوات بعده قد تضاعفت أضعافًا كثيرة كما وكيفاً حتى صارت أقوى هيئة شعبية في مصر وفي البلاد العربية علي الإطلاق . ومع أن حزب الوفد الحاكم في ذلك الوقت كان حريصًا علي أن يخرج من تجربته هذه مع الإخوان بكسب معنوي لحسابه ، فإن الإخوان قد خرجوا منها بمكاسب لدعوتهم لا يقاس بأدناها كسب الوفد – إن كان قد كسب شيئًا – فضلا عما أشرنا إليه آنفاً من انفتاح كل الطرق أمام الإخوان لبث دعوتهم في كل مكان دون عوائق ؛ فإن هناك مزايا أخري ما كانت لتنجز وتتخذ سبيلها إلي واقع الحياة في مصر لولا هذين اللقاءين الذين تما بين الأستاذ المرشد والنحاس باشا وعلي رأس هذه المزايا .

1 – إحياء الأعياد الإسلامية لاسيما مولد النبي صلي الله عليه وسلم وجعله عيدًا رسميًا للدولة وقد أصدر رئيس الحكومة حديثًا رسميًا مستفيضًا تحية لهذه الذكري الكريمة .

2 – إلغاء البغاء في أنحاء البلاد وكان وصمة عار في جبينها .

3 – قانون بوجوب استعمال اللغة العربية في تعامل جميع الشركات والمؤسسات ومراسلاتها .

4 – تحريم الخمر – وإن كان التحريم قد اقتصر علي المناسبات الدينية .

5 – بذل جهد مشكور في وضع أساس إنشاء الجامعة العربية .

وقد كان الأستاذ المرشد قد أخبرنا فيما أخبرنا به عما دار بينه وبين النحاس باشا في هذين اللقاءين أنه كان حريصًا أن يلقي في روع النحاس باشا أن أتناوله عن الترشيح لابد أن يقابله ما يسد هذه الفجوة بعمل إسلامي تقوم به الحكومة يثلج صدر الشعب الذي كان يؤمل الكثير من العمل الإسلامي من وراء دخولي مجلس النواب ، وقال له إن العمل الإسلامي الذي تقوم به الحكومة يقربها إلي نفوس الشعب ويرفع اسم زعامة الوفد .. وقد تعهد النحاس باشا بالنهوض بهذه المطالب . وقد وفي الرجل بتعهده ، وقد ألقي عقب هذين اللقاءين حديثاً ضمنه هذه المعاني التي اتفق عليها . وعقب صدور هذا الحديث عن النحاس باشا تقابل عبد الواحد الوكيل باشا مرة أخري مع الأستاذ المرشد واقترح عليه أن يصدر بيانًا يسجل فيه أن التنازل قد تم احترامًا لقرار الوفد بترشيح شخص آخر ويعلن فيه تأييده لسياسة الوفد في التعاون مع بريطانيا لتنفيذ معاهدة التحالف – فرفض الأستاذ المرشد ذلك واكتفي بذكر فقرات في خطاب النحاس باشا معلنًا أن الإخوان عون له في سياسة الإصلاح الديني والاجتماعي .. ونثبت هنا نص الخطاب الذي وجهه الأستاذ المرشد إلي النحاس باشا كما نشر بجريدة المصري يوم 23 مارس سنة 1942 تحت عنوان : الإخوان المسلمون يستجيبون لنداء الزعيم – ويعلنون أنهم عون للحكومة في تحقيق برنامجها الإصلاحي .

كتاب قيم من المرشد العام للرئيس الجليل :

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا رئيس الحكومة المصرية .

أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، وأصلي وأسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وأحييكم فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد ....

فقد تحدثتم رفعتكم إلي الأمة المصرية حديثاً رائعًا جميلا ، ضمنتموه كثيرًا من المبادئ القويمة والأماني الطيبة التي يسر كل مصري وأن يحققها الله علي أيديكم ... فقد أشدتم بالصراحة والتعاون والإخلاص ، ودعوتم الأمة إلي مصارحتكم والتقدم إليكم بالنصح ووددتم أن تمتلئ صدورنا جميعًا بهذه المعاني السامية (فنحن أبناء أسرة واحدة وهي الأسرة المصرية الكريمة) .

وقررتم رفعتكم أنه من دواعي سروركم أن تتعاون الأمة والحكومة في هذه الظروف الدقيقة في تنفيذ سياسة خارجية حكيمة ،وتصميم سياسة داخلية بصيرة ... فالواجب يقتضينا والمصلحة تدعونا إلي أن ننفذ بإخلاص وحسن نية أحكام المعاهدة التي وقعناها بمحض اختيارنا وملء حريتنا وقصدنا من ورائها سلامة استقلالنا القومي والاحتياط لمثل هذه الظروف العصيبة .. كما أن الحكومة ساهرة علي أتباع سياسة عمرانية عاجلة لخير الطبقات الفقيرة قبل غيرها .. ومن واجب الحكومة والبرلمان أن يضعا في رأس برنامجهما درس المسائل الاجتماعية والسعي إلي حلها حلا سريعا حاسمًا . وقد أشرتم إلي التطور الجديد في حياة العالم كله تطورًا " هو مقدمة لتطور أعمق غورًَا وأبعد أثرًا يجعل مظهر العالم في غير مظهرة اليوم ؛ " .

ثم ختم هذا الحديث " بأن علينا أن نعبر الطريق المحفوف بالمخاطر ، المحوط بالمكاره ، متعاونين متحدين مع الشعوب الشرقية وإخواننا أبناء العروبة الكريمة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا ، مترقبين بزوغ فجر الحرية والإخاء بين الشعوب ؛ فيقوم عدل الحكام علي أنقاض الظلم والاستبداد ، وتتفيأ أمم ظلال الطمأنينة والسكينة والسلام "

أصغينا إلي هذا الحديث القيم ثم طالعتنا الصحف بنصائحكم الجليلة إلي حضرات المديرين والمحافظين ، ودعوتكم إياهم إلي " أن يكونوا نواة سلام ودعاة صلح وتفاهم بين العائلات ، وأن يديموا التجوال في البلاد ليتبينوا مطالب الأهلين ، وينظروا فيها بالغين المجردة عن كل ميل وهوي ،وأن يستمعوا إلي شكاوى المظلومين ويعملوا علي رفع المظالم عنهم " . وقرأنا في الصحف أن معالي وزير الصحة أخذ يدرس باهتمام مشكلة البغاء تمهيدًا لتخليص مصر من وصمته الشائنة ،وأنه قرر فعلا البدء بإلغاء دور البغاء في القرى والبنادر من أول مايو المقبل . والإخوان المسلمون أمام هذه الآمال الصالحة ، والأعمال الطيبة النافعة ، يرون من واجبهم أن يستجيبوا لندائكم وأن يعلنوا أنهم حريصون كل الحرص علي أن يكونوا عونًا لكم وللحكومة المصرية في تحقيق برنامجكم الإصلاحي الذي أعلنتموه ، مستمسكين دائمًا بآداب الإسلام العالية وتعاليمه القويمة وأخلاقه الفاضلة .

والله نسأل أن يهيئنا جميعًا لخير هذا الوطن العزيز والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

وبعد عام من هذا التاريخ ، ومع التكوين الجديد للوزارة بعد خروج مكرم عبيد باشا منها لخلافة النحاس باشا رغب أعضاء الوزارة في زيارة المركز العام للإخوان ، فوجه الإخوان إليهم الدعوة ، وننقل وصف هذه الزيارة وما تم فيها كما نشرته جريدة المصري يوم 17 مايو سنة 1943 بعنوان ... الإخوان يضيفون وزراء الشعب .

" أقام المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين حفلة كبرى بداره بالحلمية الجديدة في الساعة السابعة من مساء أمس دعا إليها أصحاب المعالي الوزراء فلبي الدعوة فؤاد سراج الدين وزير الزراعة . و . . . . و . . . . و . . . . . . وكان في استقبالهم فضيلة المرشد العام الأستاذ حسن البنا والأستاذ أحمد السكري وكيل الجماعة وبقية الإخوان وفرقة الجوالة الخاصة بهم ، وكان الإخوان يستقبلون كل وزير عند حضوره بالهتاف والتكبير " الله أكبر ولله الحمد " .

وعلي آثر وصول الوزراء حان وقت صلاة المغرب فأذن المؤذن وأم المصلين فضيلة المرشد العام ولما كانت المصلي لا تتسع لجميع الذين حضروا فقد أدي العديدون الصلاة في الحجرات وفي حديقة الدار وخارجها وقد فرشت بالبسط والحصير – وتصادف أن حضر في هذه الأثناء وزير التموين الأستاذ أحمد حمزة فأدي الصلاة مع المصلين خارج الدار ، فكان منظرًا إسلاميًا ديمقراطيًا رائعًا رؤية أصحاب المعالي الوزراء وهم بين الإخوان يؤدون صلاة المغرب في خشوع المؤمنين الصالحين ...

وبعد الصلاة جلس أصحاب المعالي الوزراء مع الإخوان فوق سطح الدار حول موائد الشاي والحلوى والمرطبات .. وافتتحت الحفلة بتلاوة آي الذكر الحكيم ثم ألقي الأستاذ أحمد السكري كلمة ترحيب وتلاه الأستاذ حسن البنا بكلمة أوضح فيها فكر دعوتهم وأهدافهم . وألقي بعد ذلك كل من أصحاب المعالي الوزراء الزراعة والتموين والشئون والتجارة كلمات مناسبة أشاروا فيها إلي مشروعات حكومة الوفد وعلي رأسها النحاس باشا وهي المشروعات التي تحقق الأغراض الإسلامية مثل إلغاء البغاء . وإحياء الأعياد الإسلامية وتحريم الخمر والموبقات وقانون استعمال اللغة العربية وغير ذلك من مفاخر حكومة الوفد . ثم وقف الأستاذ أحمد السكري فشكر الوزراء علي ما أبدوه في كلماتهم من استعداد طيب نحو تشجيع جماعة الإخوان المسلمين ورجالهم أن يبلغوا رفعة الرئيس تحيات الإخوان وأطيب تمنياتهم وأن يقدموا له باقة من كتاب الله وهي الآية الكريمة " ولينصرن الله من ينصره إن اله لقوي عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر . ولله عاقبة الأمور .

وانتهي الاحتفال في الساعة العاشرة مساء " .

وقبل أن نصل في معالجة هذا الموضوع إلي نهايته ، لا يفوتنا أن نومئ إلي غمزات وردت في تعليق الكاتب الذي أشرنا إليه آنفًا فيما نشره بجريدة الأهرام في 14-2-1975 حيث شكك سيادته في صدور العبارات التي وضعنا تحتها خطوطًا مما نقلناه من تقرير الأمن العام عن النحاس باشا ، وملخصها أن الانجليز هم الذين طلبوا من النحاس باشا إرغام حسن البنا علي التنازل . وحسبنا في الرد علي هذا المؤرخ الذي يستقي معلوماته من وثائق إدارة الأمن العام ، أن يطلب من هذه الإدارة وثيقة عما تم في ترشيح الأستاذ حسن البنا نفسه في نفس الدائرة في سنة 1944 في أيام وزارة أحمد ماهر ، فإذا لم يعثروا علي هذه الوثيقة ، فليذهب إلي الإسماعيلية ويسأل عشرات الآلاف من أهلها الذين حضروا هذه الانتخابات ولا يزالون علي قيد الحياة ليسمع منهم كيف تدخل الانجليز بأنفسهم وبجيش احتلالهم المرابط في الإسماعيلية لإسقاط حسن البنا مما سنفصله في الصفحات القادمة إن شاء الله .

وسيادة المؤرخ كان مدرسًا بجامعة طنطا حين أرخ لهذا الموضوع سنة 1975 ، وهذا المنصب يكون صاحبه عادة في سن تناهز الأربعين ، ومعني ذلك أنه في أثناء هذه الفترة التي يؤرخ لها كان في مهد الطفولة . ولكنه حين يؤرخ لهذه الفترة يؤرخ لفترة شهدها جيل لازال يعيش معه فكان عليه وهو مدرس للتاريخ المعاصر ويؤرخ لتاريخ معاصر أن يرجع إلي من عاصروا هذه الأحداث في مواقعها ، وهم لا يزالون علي قيد الحياة بدلا من أن يقتصر في تاريخه علي الوثائق التي لا يكتفي بها عادة إلا في تاريخ لأحداث طال عليها الأمد ولم يعد علي قيد الحياة من يرجع إليه فيها . علي أننا سوف نتناول تعليق هذا المؤرخ بمناقشة موضوعية في الفصل القادم إن شاء الله .