هذه المدونة

بعد أن هالني حجم الكذب وتعمد قلب الحقائق التي قام بها من هم وراء مسلسل الجماعة، وتوظيف المسلسل لتشويه التاريخ، ومحاولة التأثير على المشاهدين لتكوين صورة مشوهة عن الجماعة ومؤسسها بل عن الإسلام ذاته، حاولت أن أقدم فى هذه المدونة نقلا من مذكرات الإمام حسن البنا وبعض الكتب الأخرى، حقيقة الأحداث التى قدمت بهذا التشويه الفج، وهذا الكذب الذي لا علاقة له بالإبداع على الإطلاق

الأحد، 5 سبتمبر 2010

السيارة الجيب... على طريقة لا تقربوا الصلاة

من يشاهد الطريقة التى قدمها المسلسل فى عرضه لقضية السيارة الجيب وما قدمه لها من جعل الإخوان هم الذين قاموا بكل عمليات التفجير و"الإرهاب" فى أنحاء مصر يعتقد أن نهاية هذه القضية كانت أحكام قاسية على كل من إتُهم فى هذه القضية وأنها كانت الضربة القاصمة التى أظهرت حقيقة الإخوان "الإرهابيين" الذين يعيثون فى الأرض فساداً!!
ولكن إليكم هذه الحقائق:
1- كانت أهم المضبوطات القائمة الكاملة لأعضاء النظام الخاص والذين ألقي القبض عليهم جميعا، وقد اشتملت الأوراق على كل أسرار هذا النظام ووسائله وأهدافه.

2- وجهت النيابة الاتهام إلى ثلاثة وثلاثين متهما وبطبيعة الحال كان المتهم الأول عبد الرحمن السندى. وكان الاتهام الموجه يبدأ بتهمة الاتفاق الجنائى على قلب وتغيير دستور الدولة وشكل الحكومة بالقوة وإتلاف سيارات وأسلحة الجيش وتخريب المنشآت وقتل عدد كبير من المصريين والأجانب وتعريض حياة الناس وأموالهم عمدا للخطر وتعطيل وسائل النقل العامة وإتلاف الخطوط التلغرافية والتليفونية الحكومية وإقامة واستعمال محطات سرية للإذاعة اللاسكية...الخ وبأنهم حازوا مقادير كبيرة من القنابل اليدوية والفسفورية والجلجنايت والمفرقعات والأسلحة النارية والأسلحة البيضاء... الخ
3- بدأت المحاكمة أمام محكمة جنايات عسكرية فى 10/12/ 1949 مكونة من ثلاثة مستشارين واثنين من كبار الضباط لمدة ثلاث جلسات
كان آخرها فى 28/ 3/ 1950.
4- بعدها استقر نظر القضية أمام محكمة جنايات عادية، يرأسها المستشار " أحمد بك كامل" وكان المستشار "محمود عبد اللطيف" عضو اليمين بها, كما كان المستشار" زكى شرف" هو عضو اليسار.
5- بدأ النظر الفعلى للقضية فى 12 ديسمبر 1950 فعقدت إحدى وأربعين جلسة, ثم كانت الثانية والأربعين فى 17/3/1951 للنطق بالحكم, بمعدل أربع جلسات فى الأسبوع, واستمر نظر القضية ثلاثة أشهر ونصفا. وقد طلبت النيابة فى الجلسة الأولى تعديل بعض مواد الاتهام إلى مواد أشد عقوبة وطالبت برءوس المتهمين وإعدامهم.
6- كان من الشهود الذين استمعت لهم المحكمة: الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، اللواء أحمد فؤاد صادق باشا قائد عام حملة فلسطين، اللواء أحمد على المواوى أول قائد عام لحملة فلسطين، إبراهيم عبد الهادى باشا خليفة النقراشى فى الوزارة والحزب، الأستاذ محمد حامد أبو النصر والحاج حسن حسني المنياوي والصاغ محمود لبيب بك.
7- صدر الحكم فى القضية يوم 17 / 3/ 1951 وكان كالآتى: البراءة لخمسة عشر متهماً والسجن سنة واحدة لمتهم واحد وسنتين لأحد عشر متهماً، والسجن ثلاث سنوات لخمسة متهمين، مع الإشادة بحسن نوايا المدانين!!! ووصفتهم بأنهم من ذوي الأغراض السامية
8- أقرت النيابة العامة الحكم ولم تنقضه اعترافا منها بعدم وجود ثغرات لنقضه وأقرت بكل ما جاء فيه اعترافًا منها أنها كانت على خطأ كبير، فقد اشتملت الأوراق المضبوطة في السيارة الجيب على كل أسرار هذا النظام ووسائله وأهدافه، ولم تكن إلا أشرف الوسائل وأنبل الغايات، كما ذكرت المحكمة.

9- وقالت المحكمة في نص حكمها:
- أن المدانين كانوا من ذوي الأغراض السامية التي ترمي أول ما ترمي إلى تحقيق الأهداف الوطنية لهذا الشعب المغلوب على أمره.

- إن المتهمين ظنًا منهم أن أعمال النسف تبلغ بهم أهدافهم عن سبيل قصير فاتحدت إرادتهم على القيام بأعمال قتل ونسف مما قد لا يضر المحتلين بقدر ما يؤذي مواطنيهم.
وهذا البند يعني أنه لو تحقق للمحكمة أن أعمال القتل والنسف والتدمير التي اتحدت إرادة المتهمين على القيام بها سيقتصر ضررها على المحتلين لحق على المحكمة أن تبرئهم جميعا.
- إن المحكمة وهي تدين المدانيين لم تدنهم بارتكاب حالة قتل أو نسف محددة ليؤخذ حكمها على أنه عقاب، كما أنها لم تدنهم بالاتفاق الجنائي على القيام بحالة قتل أو نسف محددة، ولكنها اتخذت من حيازة بعضهم لأدوات القتل والنسف والتدمير، ومن ثبوت سحب بعضهم مسحوبات مالية من مبلغ في حدود الألفين جنيه كان مودعًا عند أحد التجار، دليلا على اتحاد نيتهم على استعمال هذه الأموال والمعدات في عمليات قتل ونسف وتخريب مجهولة تمامًا لدى المحكمة، ولكن قانون الاتفاق الجنائي الذي وضعه الإنجليز عقب مقتل بطرس غالي باشا لاستخدامه في كتم أنفاس الشعب المصري يسمح بالإدانة في مثل هذه الحالة التي لا يقر الإدانة فيها عقل ولا دين، ولكن المحكمة مضطرة للإدانة بمقتضاه وفاء لقسمها كما سبق أن بينت، ولهذا السبب ميزت المحكمة بين أعضاء النظام الخاص وبين المدانين بتسمية جديدة من عندها هي أن المدانين كونوا فيما بينهم جمعية إرهابية.

- إنها في تقدير العقوبة التي أبت إلا أن تسميها درسًا، قدرتها بحيث يفرج عن جميع المتهمين في لحظة النطق بالحكم، فلم تتجاوز في أي حكم من أحكامها ثلاث سنوات، وقد قضى جميع المتهمين ثلاثة أرباع هذه المدة بالفعل في الحبس الاحتياطي، وبذلك وضعت المحكمة الدولة أمام فرض يلزمها بالإفراد عن المتهمين جميعًا فور النطق بالحكم.

- إن المحكمة برأت كل أعضاء النظام الخاص في القضية رغم إقامتها الدليل على أنهم من أعضاء النظام الخاص تمشيًا مع حكمها ببراءة الدعوة وبراءة النظام الخاص من أدنى خروج على القانون، وسوف نضرب أمثلة على ما قالته المحكمة في شأن بعض أعضاء النظام الخاص الذين قضت ببراءتهم ليتحقق للقارئ أن المحكمة ترى وتشيد أن هذا المتهم من أعضاء النظام السري الخاص، وأن انتماءه هذا لا يدينه قانونًا، حتى في ظل القانون الوضعي الجائر الذي تحكم به.

10- وكانت المفاجأة الكبرى .. بعد إنتهاء القضية قام إثنان من القضاة - بعد أن استعرضوا الأوراق السرية لقضية السيارة الجيب وثبت لهم بيقين من أعمال الرجال الذين قاموا على تنفيذ ما احتوته عليه هذه الأوراق من أفكار ومبادئ وخطط، أنهم على الحق المبين - بإعلان إنضمامهما للإخوان المسلمين واستقالا من سلك القضاء!!!

وقد كتب محمود الصباغ في كتابه "حقيقة التنظيم الخاص" تحت عنوان ضبط السيارة الجيب كان تدبيرًا سماويًا لحماية الدعوة، وليس للبوليس أدنى فضل فيه:

إن استقراء الوقائع التي وقعت قدريًا في نوفمبر سنة 1948 من ضبط مخزن الأسلحة بالإسماعيلية وما فيه من أوراق وضبط السيارة الجيب وما فيها من وثاثق، ليوضح بأجلى صورة أنه لما سبق في علم الله أن الحكومة تعتزم الغدر بالإخوان المسلمين، مؤتمرة في ذلك بأمر قادة الحركة الصهيونية العالمية التي تستخدم الاستعمار وسيلة لتحقيق مآربها، وأن غدرها بالإخوان سوف يكون محاولة وحشية لإبادتهم والقضاء على دعوتهم، أراد الحق تبارك وتعالى أن يدفع عن الإخوان شرور هذه الهجمة الشرسة، فقيض أسبابًا عفوية لتقع هذه الوثائق في أيدي رجال البوليس ولتنكشف بها نوايا الحكومة على الغدر حيث أعمى الله بصيرتها عن حقائق هذه الوثائق فاتخذتها دليلها على إدانة الإخوان بينما هي في الواقع أدلة الحق والصدق الذي تحلت بها هذه الجماعة المباركة الصادقة في كل ما قدمت من أعمال.

فنحن نلاحظ أن الحكومة بدأت بإصدار أمر عسكري بحل جماعة الإخوان المسلمين في منطقة القنال في وقت كان فيه الإمام الشهيد يؤدي فريضة الحج مع مجموعة من الإخوان في المملكة العربية السعودية، وكان متطوعو الإخوان في الميدان يعملون جنبًا إلى جنب في فدائية فذة مع جيش مصر على أرض فلسطين، مما يقطع بالتعاون الوثيق بين الحكومة والإخوان في هذه الفترة من الزمان، وأنه لم يكن لديها أي مبرر لهذا القرار إلا على أساس تشويه الحقائق الواردة في بعض الأوراق المضبوطة في مخزن للسلاح بمنطقة الإسماعيلية، حيث كان ضبط السلاح وحده غير كاف لتعليل مثل هذا القرار، فالسلاح في يد الإخوان بتصريح من الحكومة، وهم يقاتلون به في فلسطين تحت قيادة رئيس الإخوان بالإسماعيلية الشهيد محمد فرغلي ولابد أن يكون لهم رصيدًا احتياطيًا يصلهم منه المدد على طول أيام المعركة، فهو إذن دليل شرف لا دليل إدانة في وقت المعركة، ومن ثم لم يكن أمام الحكومة إلا تشويه المعاني الواردة في الأوراق المضبوطة مع هذا السلاح وإعمال أبواق دعايتها ضد الإخوان المسلمين على أساس هذه المعاني المشوهة حتى يتقبل الجمهور مثل هذا القرار الخائن الغادر وهي لا تدري أن الحق تبارك وتعالى قد قدر في سابق علمه أن قضاء مصر سيكشف هذه الخيانة الدنيئة ويظهر الحق جليًا واضحًا للناس كافة.

ولم يلبث القدر أن ألقم الحكومة طعمًا آخر بضبط السيارة الجيب وما فيها من أوراق لتكشف عن نواياها كاملة قبل أن تتخذ لها ستارًا مانعًا من الفضيحة فاتخذت قرارها العسكري بحل الإخوان في جميع أنحاء القطر ولم يكن قد مضى على قرارها السابق بحل جماعة الإخوان في منطقة القنال إلا عدة أيام، واعتمدت على مزيد من التشويه لحقائق الأوراق المضبوطة في السيارة الجيب، لتلفت الأنظار بعيدًا عن خيانتها في فلسطين وتوجهها إلى دعاوي باطلة تنسبها إلى أخلص أبناء هذا الوطن وهم يجودون بدمائهم في سبيله في ساحة القتال، وهي لا تدري أن هذه الأوراق هي التي ستثبت براءة الإخوان من كل ما نسب إليهم، وتؤكد بطولاتهم الفذة على أرض المعركة، وتدمغ رجال هذا العهد البائد جميعًا بالخيانة والعار، وقد تأكدت هذه الحقائق للمحكمة بشهادة كبار الشهود في القضية من أمثال سماحة مفتي فلسطين واللواء فؤاد صادق باشا واللواء أحمد علي المواوي بك على النحو الذي سيجيء تفصيلاً فيما بعد في هذا الكتاب.

وقد شاء القدر أن يقدم للناس الوثائق الإنجليزية والأمريكية التي تسجل دور الاستعمار في دفع الحكومة المصرية للقضاء على الإخوان المسلمين، فنشرتها جريدة المسلمون «ضمن سلسلة مقالات الأستاذ محسن محمد بعنوان: من قتل حسن البنا» وسوف تخصص بابًا مستقلا من هذا الكتاب لسرد ما نشر من هذه الوثائق بعد أن انتهت مدة سريتها واطلع عليها المؤرخون في جميع أنحاء العالم ومنهم الأستاذ محسن محمد.

لقد كان المقصود من إصدار قرار حل الإخوان المسلمين على دفعتين، أن يفقد الإخوان توازنهم فور صدور قرار الحل بمنطقة القنال في غياب مرشدهم بالحجاز، فيأتون من الأفعال الثورية على هذا القرار ما يبرر للحكومة الإجهاز عليهم في جميع أنحاء القطر.

ولكن الإخوان كانوا كعادتهم أبناء لله والوطن، فلم يقع منهم أي رد فعل لهذا القرار الجائر، لأنه لم يكن يستند إلى أي سبب حقيقي، حيث كان معلومًا لدى الإخوان جميعًا أن حيازة السلاح في أيدي الفئات المجاهدة في فلسطين إنما يقع بتصريح من حكومة محمود فهمي النقراشي باشا صاحب قرار دخول الجيش المصري فلسطين لتحريرها.

ولقد كان من الممكن أن يقع الإخوان في خطأ نتيجة لهذا القرار الاستفزازي وأن تستند عليه الحكومة في إعلان حربها الشاملة ضد الإخوان، ولكن الفرصة ضاعت على الحكومة بسبب التزام الإخوان جانب الهدوء، فأراد الله أن يكشف النية الغادرة للحكومة، حيث يسر لها ضبط السيارة الجيب، التي يظن الجاهلون لأول وهلة عند الاطلاع على محتوياتها أنها وسيلة إدانة كافية لإعلان الحرب الشاملة على الإخوان المسلمين، ثم ينطق حكم القضاء ببراءتهم، وتعود دعوتهم كما كانت بل أكثر قوة. هذا هو تدبير العزيز الحكيم لحماية دعوته، كما حمى نبيه يوسف -عليه السلام- بتآمر إخوته عليه ليقتلوه وصدق الله العظيم القائل: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيدًا﴾ [الطارق: 15- 17].

فقد أعمى الله بصيرة الدولة من أن تصبر حتى يتبين القضاء فحوى محتويات السيارة الجيب، بل أسكرها الهوى عند ضبط السيارة، فضربت ضربتها التي ظنت أنها قاتلة، ولكن هيهات فإن في مصر رجال وقضاء، حيث وقف رجال النظام الخاص للحكومة بالمرصاد عندما ثبت لهم بما لا يدع مجالا للشك أن الحكومة أصبحت بفعلها هذا من المحاربين للإسلام، وأنه حق على كل مسلم مقاومتها بقوة السلاح كفرض عين، فرضه الله على المسلمين كافة تجاه المحاربين من الكفار وأعوانهم، لا يحتاج أداؤه إلى أمر من قيادة، لأنه صادر من لدن حكيم خبير. بسم الله الرحمن الرحيم ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم ببَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 39- 41].

لم يغن الحكومة شيئا أن تعتقل قادة الإخوان أو تحبسهم في السجون والمعتقلات ولم يغنها شيئًا أن تعزل بينها وبين مرشدهم، الذي دبرت له أمرًا بليل، بل إنها واجهت هي ونظامها أجمع، جهاد الإخوان المسلمين فرادى لا جماعات بما اشتملت عليه صدورهم من عقيدة ربانية عادلة، وكلل الله جهاد هؤلاء الأفراد الشبان بالنجاح، فخر محمود فهمي النقراشي صريعًا في عقر داره، وبين جنده وفي سلطانه، ودون أن يكون لقيادة الإخوان المسلمين في هذا رأي أو توجيه، وتزلزل حكم خلفه عبد الهادي زلزالا شديدًا ولم ينفعه قتله للإمام على قارعة الطريق في شيء، فقد كان الإمام الشهيد في حياته بعيدًا كل البعد عن توجيه الإخوان في نضالهم ضد عدوهم الغادر، لأنه كان أسيرًا تحت نظر سلطات الدولة، التي تباهت خيلاء، بحيازتها له، دون أن تحبسه أو تعتقله، بل أبقته لتلهو به، وكأنه عصفور في قفص، أبقته في داره، ولكنها قطعت خط التليفون الذي يمكن أن يوصله بأي من إخوانه، وسحبت مسدسه المرخص حتى يعجز أن يدافع عن نفسه عندما تنقض عليه كلابها ليقتلوه، واعتقلت شقيقه الضابط عبد الباسط البنا الذي كان يلازمه، ليحميه من العسكر والمخبرين والملازمين لباب داره ليل نهار والمتحركين خلفه بسيارتهم إذا ما تحرك يمينًا أو يسارًا يسعى لإقناع الحكومة بخطئها فيما تتخذه من إجراءات شاذة، ولكن هيهات للحكومة أن تقتنع، فهي لا تتصرف عن عقل أو وعي، ولكنها أسيرة لهوى سادتها من الصهاينة والمستعمرين، وليكن بعد ذلك ما يكون.

ولعل هذا القدر هو الذي شجع الحكومة بعد إيداعها لجميع القيادات في الدعوة العامة السجون والمعتقلات، وبعد عزل المرشد عنها ببقائه تحت الرقابة المشددة في منزله وبعد اطمئنانها للقبض على قيادات النظام، بضربة قدرية ليس لها فيه فضل، ولا لرجال أمنها فيه أدنى جهد، لتضرب ضربتها بحل الإخوان المسلمين في جميع أنحاء القطر قبل مضي ثلاثة أسابيع على هذه الواقعة.

ولعل هذا الوهم الذي سيطر علي محمود فهمي النقراشي باشا بأن رجاله لديهم القدرة المعجزة على ضبط قيادات النظام، لما ذكروه في التحقيقات من أن ذلك جاء بسبب يقظتهم الفائقة وقدراتهم الخارقة، هو الذي جعل محمود فهمي النقراشي لا يستمع إلى نصح وزير الداخلية مرتضى المراغي عندما حذره من حل الجماعة، فقال له وهو يضحك: أعرف ديتها. رصاصة أو رصاصتان في صدري ، ولو كان النقراشي باشا جادًا لا هازلاً ما أقدم أبدًا على حل جماعة الإخوان المسلمين وهو يتوقع هذه النتيجة، وأغلب الظن أنه كان يتوقع أن تمر خيانته بسلام اطمئنانا إلى كفاءة رجاله وقدرات حلفائه من الصهاينة والمستعمرين.

ولكن تدبير الله كان خيرًا من تدبيره فكان وثائق السيارة الجيب دليل براءة الإخوان وإدانة حكومته، ولو لم يرد الله ضبط هذه الوثائق وحفظها من الحريق لانعدمت عند الإخوان وسائل الدفاع لإظهار حقهم وإبطال باطل الحكومة.

المحكمة لا تكتفي ببراءة الإخوان المسلمين بل يعلن أعضاؤها الانضمام إليهم:

إن الإنسان ليسجد شكرًا لله الكريم أن خلقه واحدًا من شعب مصر عندما يشهد الأصالة في دماء أبنائه وهم يجهرون بالحق في وجه الطغاة والمستبدين من الحكام، فور أن يظهر نوره المبين، دون أن يخشوا في ذلك جبروتهم ووحشيتهم.

فقديمًا خر السحرة الذين استدعاهم فرعون من أعماق مصر ساجدين لله معلنين إيمانهم بموسى وربه بعد أن استيقنوا من صدقه، وكفرهم بفرعون وجنده، وقد ثبتت لهم حقيقة ضلالهم وكفرهم، لم يمنعهم من ذلك ما وعدهم به فرعون من أموال وسلطان إن كانوا هم الغالبين، ولم يرهبهم أن يقول لهم فرعون: ﴿آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 49- 51].

وحديثا أعلن قضاة مصر بعد أن استعرضوا الأوراق السرية لقضية السيارة الجيب وثبت لهم بيقين من أعمال الرجال الذين قاموا على تنفيذ ما احتوته عليه هذه الأوراق من أفكار ومبادئ وخطط، أنهم على الحق المبين، هرعوا إلى الانضمام لصفوفهم وقد كانت قوى البطش تستنجد بهم ليخفوا حقيقة ظلمهم وطغيانهم، ويستروا خيانتهم وفجورهم.

وقد علم القاضي والداني بتصريح المستشار محمود عبد اللطيف بك عضو اليمين في هذه المحكمة فور الانتهاء من نظر قضية السيارة الجيب حيث قال: «كنت أحاكمهم فأصبحت واحدًا منهم» كما علم القاصي والداني بتصريح المستشار أحمد كامل بك رئيس هذه المحكمة بطلب التقاعد من خدمة هذه الحكومة الطاغية والانضمام إلى الإخوان المسلمين، وقد نفذ هذا الأخ الكريم ما صرح به فتقاعد فعلا فور الانتهاء من نظر القضية وانضم إلى الإخوان المسلمين واشتغل بالمحاماة في مدينة الإسكندرية، وترافع ضد الحكومة في قضية مقتل الإمام الشهيد.

ولقد عمني البشر ذات يوم، وأنا اشتغل بالتجارة في الشركة التي أسستها مع إخواني مصطفى مشهور وأحمد قدري الحارثي فور خروجنا من السجن وهي الشركة الشرقية للتجارة والهندسة «ايتكو» وكان مقرها شارع شريف باشا في القاهرة في العمارة المشهورة باسم عمارة شوشة المقابلة لوزارة الأوقاف، حين رأيت المستشار أحمد كامل بل يهل علينا زائرًا بالمعرض، ولم يكن له من غرض إلا التعرف علينا عن قرب، مظهرًا إعجابه بما قرأ وعرف من حقائق عن جهود النظام الخاص ورجاله في الدفاع عن مصر خاصة وعن الأمة الإسلامية عامة أثناء دراسته لقضية السيارة الجيب، ومناقشته للمتهمين والشهود، وتعرفه على الحقائق التي عملت الدولة على إخفائها لتستر خيانتها وتخفي استبدادها.

فحمدت الله وأثنيت عليه وقلت إن كان علي الطنبولي التاجر الذي باع السيارة الجيب قد انضم إلى الإخوان رغم ما عاناه من البلاء بالاعتقال معهم ثلاث سنوات، حولتها حلاوة العقيدة وصدق الطوية إلى سنوات هناء، فقد انضم قضاة مصر إلى الإخوان رغم ما عانوه وهم يدرسون قضيتهم من قراءة الصفحات الطوال والاستماع إلى المرافعات والمناقشات المضنية، التي تحولت بفضل الله إلى منعة حقيقية لا يشعرها إلا المؤمنون، والذين يستعذبون الجهد والعناء ما دموا مخلصين في سبيل نصرة الحق والوطن والدين، فنحن نجدهم يشيدون بعد أن أضناهم البحث عن دليل إدانة فلم يجدوا إلا افتراءات لا أساس لها إطلاقًا، يشيدون بشرف الغاية ونبل القصد، وصدق الوعد، وبذل النفيس والغالي في حب الوطن والإسلام، فأعلنوا ذلك كله على الملأ في حكمهم التاريخي ثم أصبحوا بعد ذلك من الإخوان المسلمين. وكان نصر الله للمؤمنين عظيمًا.

هناك تعليق واحد:

  1. جزاكم الله خيرا ربنا يكرمك ويبارك فيك وافضل ما عندك استدلالك بالوقائع والشواهد

    ردحذف