وسأبدا ببعض المشاهد التى تحكي دور فرق الجوالة الحقيقي فى المجتمع المصري، وذلك فى المجال الصحي فقط كمثال:
قامت جوالة الإخوان بدورٍ بارعٍ في كل أنحاء القطر المصري بنشر الوعي الصحي، وعلى القيام بأعمال إسعافية لتعويد الناس على الاهتمام بالجانب الصحي، ومن ذلك ما قامت به فرق الجوالة في الريف المصري عام 1943م؛ حيث قامت بأعمال كنس الطرقات والشوارع وحثِّ القرويين على التردُّد على المستشفيات والعيادات الطبية، وتقديم الإسعافات الأولية
وعندما ظهر مرض الملاريا بقنا وأسوان انتفض الإخوان لهذه الكارثة الصحية، وقاموا بجمع التبرعات والاعتناء بالمصابين ومواساة المفجوعين، وجعلوا من دُور الإخوان معسكراتٍ لتجنيد المتطوِّعين لتوزيع الدواء في كل مكان، وسعَوا إلى الناس في أماكنهم، شارحين طرق الوقاية من هذا المرض وأساليب العلاج.
وقد كوَّن الإخوان فرقًا للإنقاذ جاهزة للإسعافات في حالات الكوارث والطوارئ، وكان مقرُّها المركز العام، وكان يُدرَّب أعضاؤها تحت إشراف الأستاذ محمد نبيه عبد المجيد مندوب مصلحة الوقاية، وكان يقوم بتدريب الأعضاء على اتقاء الغارات الجوية المحتَملة أثناء الحرب العالمية الثانية، ويُعدُّ منهم فرق للإنقاذ.
وعندما اجتاحت الكوليرا مصر عن طريق جنود الاحتلال قرَّر مكتب الإرشاد في جلسة 23 سبتمبر 1947م, 13 ذي القعدة 1366هـ إرسال خطاب لوزير الصحة يعلنون له استعداد أربعين ألف من جوالة الإخوان المسلمين للتطوُّع في فِرَق مكافحة الكوليرا, وفي جلسة 5 أكتوبر 1947 قرَّر المكتب إرسال خطاب آخر لوزير الصحة باستعداد مستوصفات الإخوان للقيام بعملية التطعيم ضد الكوليرا وتجهيز عشر سيارات للمرور في الأحياء الموبوءة لعملية التطعيم ومساعدة وزارة الصحة.
وهذا نص الخطاب:
"حضرة صاحب المعالي وزير الصحة العمومية..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
في غمرة هذه المحنة التي تهدِّد الصحة العامة للبلاد بوباء الكوليرا، والتي تنادي كلَّ وطني صادق أن يساهم بكل ما يسعه من جهد وطاقة، تتقدَّم إدارة الجوالة العامة للإخوان المسلمين إلى معاليكم ليحملوا نصيبهم من هذا الكفاح الوطني المقدَّس، معلنين أنهم يضعون تحت تصرُّف وزارة الصحة 40 ألف جوال من خيرة شباب الأمة وزهرة أبنائها الأطهار، منبثِّين في جميع أنحاء الوادي من كبريات المدن والحواضر إلى صغريات القرى والكفور كلهم على أتمِّ الاستعداد للقيام بما عُهد إليهم من أعمال لمكافحة هذا الوباء.
ومما يزيد الاطمئنان إلى جلال الفائدة المرجوَّة من هذا التجنيد إن شاء الله أن تعلموا- معاليكم- أن هؤلاء الألوف من شباب الإخوان الذين وهبوا لهذا الوطن العزيز أنفسهم وأرواحهم إنما يكوِّنون مجموعاتٍ كاملةَ الأجزاء، محكِّمةً النظام بوحداتها ورؤسائها ومراقبيها ومشرفيها في انتظار الأمر بالعمل في أي مكان.
ولمَّا كنا حريصين على العمل الجدي؛ لذلك نتقدَّم إلى معاليكم بنماذج من الأعمال التي يُمكن لهذه المجموعات القيام بها، علاوةً على ما يراه المسئولون من تكليفهم لما يتراءى لهم، وهي:
1- نشر الدعوة الصحية في محيط القطر كله وسرعة إذاعة النشرات والتعليمات الصادرة عن الوزارة مع التكفل بإفهامها للجمهور ومعاونته على التنفيذ.
2- التبليغ عن المصابين والإصابات، كلٌّ في محيط منطقته مع بعض الجمهور، على اعتبار ذلك واجبًا وطنيًّا لا يعذر المتخلِّف عنه.
3- تكوين فرق مختلفة للقيام بأعمال التمريض.
4- مساعدة رجال الجيش في كافة أعمالهم؛ من حصار المناطق الموبوءة، ونقل الإشارات اللاسلكية، وقيادة السيارات.
يا صاحب المعالي: قد جنَّدنا هذا الشباب الطاهر في خدمة الوطن لمحاربة هذا العدو المفاجئ، ولا شكَّ أن هؤلاء الجنود لا ينقصهم إلا أن يتحصَّنوا ضد المرض بالمصل الواقي، وأن تتفق وزارة الصحة مع الوزارات والشركات والمصانع التي يعمل بها هؤلاء الإخوان على انتدابهم لهذه المهمة إذا كُلِّفوا بأعمال نهارية تتعارض مع أوقات أعمالهم الرسمية، مع الاحتفاظ لهم بمراكزهم وأعمالهم عند زوال خطر الوباء عن البلاد قريبًا إن شاء الله.
هذا، ويسرنا إلى جانب ذلك أن نضع تحت تصرف وزارة الصحة 1500 شعبة من دَور الإخوان المسلمين تكون مركزًا للأغراض الوقائية والعلاجية ضد هذا الوباء، ولا سيما في المناطق التي ليس للصحة بها مراكز ثابتة.
وفى انتظار إجابة فضيلتكم بالقبول، أرجو أن تتقبَّلوا أصدق التحيات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حسن البنا - المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين".
ولقد نشطت الشُّعَب في هذا الأمر؛ ففي نجع حمادي افتتح الإخوان المسلمون مستوصفًا لعلاج المرضى يشرف على إدارته الدكتور توفيق بك عثمان أبو النصر حكيمباشي المستشفى الأميري، ويستقبل المستوصف المرضى مرتين في الأسبوع؛ يومي الإثنين والجمعة؛ وذلك بشعبة الإخوان المسلمين بنجع حمادي، أما في أسيوط فقد افتتح الإخوان العيادة الطبية، وكان مديرها الدكتور عباس محمد حسين، وكانت العيادة تقوم بمعالجة جميع المرضى مجانًا، شاملاً العلاج لجميع الأمراض على اختلاف أنواعها، من التاسعة إلى الحادية عشرة صباحًا يوميًّا ما عدا يوم الجمعة.
وقد بلغ شدة الإقبال على هذه العيادات أن المستوصف الخيري الذي أنشأه الإخوان المسلمون بطنطا بلغ عدد المرضى الذين عُولجوا فيه من مختلف الأمراض بعد أقل من شهرين ونصف من نشأته 1233 مريضًا؛ ما بين رجالٍ وأطفالٍ ونساءٍ، وقد أُعدَّ هذا المستوصف بجميع الأدوات والأجهزة وغرف الكشف وأدوات التحليل والفحص، ويشرف على العلاج فيه خلاصة أطباء المدينة كلٍّ في اختصاصه.